لا يرغب الجيش في خروج عتاده وقواته الإضافية من سيناء لأسباب كثيرة
لعبة السياسة في مواجهة الإرهاب يتبعها الإنفاق المالي أيضاً، ولاسيما على السلاح وصفقاته المتوالية، فالسلاح الحديث المُوزّع بين سيناء شرقاً والحدود مع ليبيا غرباً ليس كافياً من وجهة نظر «الجنرال»، ولذا فهو يبرم المزيد من الصفقات التي تجعل المصانع الفرنسية والروسية وحتى الألمانية ترحب بالزبون الجديد، صاحب الأموال الجاهزة، ومقتني أحدث المعدّات حتى لو لم يكن بحاجة إليها، ثم يأتي ويحمّل الإرهاب مسؤولية سوء الأوضاع الاقتصادية واستنزاف موارد الدولة، على رغم افتضاح أمره في الإسراف في إنشاء القصور الرئاسية، ومن قبلها عقد مؤتمرات ولقاءات مع الشباب لا تستفيد منها سوى حاشيته. وفي النتيجة، تصير الدولة عاجزة عن زيادة رواتب الموظفين، وترتفع الأسعار، ويُلغى الدعم عن المحروقات، وكله من أجل مواجهة الإرهاب، في وقت تزيد فيه رواتب ضباط الجيش والشرطة والوزراء باطّراد، بل تُجمع الأموال لأسر الشهداء والمصابين من المواطنين أنفسهم، عبر رسوم على الخدمات بما فيها المصاريف الدراسية للجامعات.
وفي إطار الدعاية أيضاً، يذكّر رموز النظام بالوضع الاقتصادي إبّان النكسة (1967)، عندما نقصت السلع الأساسية لدرجة الاختفاء، فيما يردّد الرئيس دائماً أن القصاص للشهداء مسؤوليته، مع أن اجتماعاته بـ«المجلس الأعلى للقوات المسلحة»، وآخرها قبل نحو أسبوعين، لا تخرج سوى ببيانات تقليدية من دون تحول جوهري في السياسات العسكرية على الأرض. يقول ضباط في الجيش لـ«الأخبار» إن إعلان انتهاء الحرب على الإرهاب في سيناء يعني عودة قوات الجيش والشرطة والمعدّات التي دخلت بالتنسيق مع إسرائيل، بأعداد تصل أكثر بعشرة أضعاف مما هو متفق عليه في اتفاقية «كامب ديفيد»، الأمر الذي لا ترغب فيه قوات الجيش حالياً، بعدما صارت أكثر قدرة على السيطرة بفضل المعدّات الحديثة التي أُدخلت، إلى جانب السماح للطيران بالتحليق في المنطقة «ج». ويضيف هؤلاء الضباط أن الأسلحة التي دخلت سيناء لن تخرج منها مرة أخرى، ليس لأسباب لها علاقة بإسرائيل، بل «لفرض هيبة الدولة التي كانت غائبة جرّاء نقص المعدات والأفراد، ولتأكيد أن عمليات التهريب عبر الأنفاق إلى غزة لن تحدث مجدداً، وأن اقتحام الجدار الحدودي
لن يُسمح به مرة أخرى مهما كان الثمن». كما يعترفون بأن مشكلة الجيش مع فلول الجماعات المتطرفة تتمثل في معاونتها من قِبَل بعض أهالي سيناء الذين يعرفون الكثير من التفاصيل التي لا يزال الجيش يجهلها بحكم غيابه عن هذه المنطقة لسنوات طويلة، لافتين إلى خوف البعض الآخر من إسداء دعم للجيش تجنباً لتعرّضهم للقتل على يد المسلحين، وفوق ذلك، تراكمت مشكلات أخرى مرتبطة بأخطاء في تعامل الدولة مع السيناويين، جعلت الأهالي يفقدون الحماسة لدعم القوات المسلحة، وهو ما يستلزم بقاءها بعتادها وعديدها هناك.