ركام الحرب الأهلية اللبنانية ينتشر في زوايا «مركز بيروت للفن»، ومعه آثار هيروشيما، ووجوه الفلسطينيين المهجّرين بعد النكبة... الأعمال التي يعرضها المركز تحت عنوان «الصورة فيما بعد»، تقول إنّ الكوارث لا تتحوّل إلى مادة للأرشيف فقط، بل إلى محفّزات على الخلق والتفكير. في سلسلة أعمال تجمع بين التصوير والتجهيز والفيديو والكتابة، لا تعود الكارثة كارثة، ولا الحرب حرباً، بل مواد خاضعة للقولبة والتأويلات، بحسب أدوات كلّ فنان. معرض Image in the aftermath يقترح علينا أعمالاً لفنانين معاصرين لبنانيين وأجانب، ليست المآسي هاجسها الأبرز، بل طرائق فهمها وتطويعها.
في تجهيز «هذه ليست طريقة لنقول إنها ليست الحالة»، يعود الناقد والمنظّر اللبناني/ العراقي جلال توفيق إلى الغزو الأميركي للعراق. يختار لذلك شاشتين متقابلتين، تدخلان المتلقِّي في لعبة مرايا، تقابل بين صدام حسين، وأدولف هتلر.
من جهته، يستكمل اللبناني وليد رعد مشروعه في نقد الفن والحرب الأهلية في آن ضمن تجهيز بعنوان «خدش أشياء يمكنني التخلّي عنها ـــــ تاريخ للفن في العالم العربي». قصاصات من الصحف، وصور شظايا، وبقعة طلاء حمراء سائلة يتوسّطها اسم علم نافر... يواصل رعد في هذا التجهيز الضخم، مشروعه الأثير في مقاومة عوامل المحو. في سياق مشابه، تندرج الصور الفوتوغرافية التي تقترحها مؤسسة «أرشيف النكبة».
تأخذ الصور هنا دور الحفر في الذاكرة، فتلتقط عجائز ينظرون في عين الكاميرا، كأنّهم في وضعيّة ترقّب. ملامحهم واضحة، بعكس عمل «180ثانية من الصور المعمّرة» لجوانا حاجي توما وخليل جريج. أنجز الثنائي عام 2003 شريط «الصور المعمّرة»، المأخوذ عن فيديو صوّره أحد المخطوفين خلال الحرب الأهلية عام 1980. ما يقدّمانه في «مركز بيروت للفن» هو جدارية فسيفسائية، من صور جامدة طبعت على خشب بتقنية لامبدا، وأخذت لكل لقطة من لقطات الشريط البالغة مدّته ثلاث دقائق. تبدو الصور من بعيد كأنّها حائط وردي، تمرّ عبره أشباح أو أمواج.
لا تنقل الصورة في هذه الأعمال، أي فكرة، ولا أي معلومة واضحة... على العكس، هي «محاولة للتركيز على صعوبة نقل تلك المعلومة»، كما كتب ذات مرة بوريس غرويز. يشارك الناقد والفنان والمنظّر الألماني في معرض «الصورة فيما بعد» من خلال عرض ثلاثية «التفكير في حلقة» التي أنجزها تباعاً بين عامي 2002 و2007... تقوم أعمال الفيديو الثلاثة وهي Iconoclastic delights، و«الدين كوسيط»، و«أجساد خالدة»، على الجمع بين نصّ كتبه المؤلف، وصور من أفلام قديمة لا علاقة مباشرة لها بالنص. من أجل تشريح مفاهيم الخلود، والدين، والصور المقدّسة، اختار المؤلف أن يقرأ نصوصه بنبرة أشبه بنبرة بيانات البروباغندا الحزبيّة، أو التقارير الإخباريّة.
يبلغ التلاعب على الميديوم أقصاه مع عمل المصري حسن خان «لغز»، وهو نص كتبه على 14 صفحة مزّقها من كتب القصص المصوّرة «المغامرون الخمسة» لمحمود سالم التي راجت خلال الثمانينيات في مصر. تتحوّل الشرائط المصوّرة إلى صفحات لطباعة قصة أخرى، تروي حكاية طبيب يحس باختناق في المدينة.
يفرد المعرض أيضاً مساحةً مهمة لعمل الياباني ماساو أوكابيه الذي عرض في «بينالي البندقية» عام 2007، بعنوان «الوجه المظلم للنور». رسم أوكابيه آثار الانفجار الذرّي في هيروشيما بتقنية الطبع، ووثّق الناقد تشيهيرو ميناتو مراحل تطور الرسم. ما نشاهده في المعرض هو رسوم لهيروشيما، وصور لكيفية نشأة تلك الرسوم في آن. العمل توثيق للكارثة، وتوثيق لذلك التوثيق أيضاً.



Image in the Aftermath: حتى 16 تموز (يوليو) ـــــ «مركز بيروت للفن» (جسر الواطي) ــــــ 01/397018