ينطلق الباحث والمؤلف الموسيقي اللبناني نداء أبو مراد من مصدرين أساسيّين لبناء أعماله الفنية وأبحاثه الأكاديمية: الدين بمعناه الصوفي والروحاني الواسع، والإرث الموسيقي المشرقي بقوالبه التقليدية. في هذا الإطار يندرج معظم نتاجه، وما جديده إلا استكمال لهذه المسيرة. بعد غد الجمعة، أي قبل أسبوع من «الجمعة الحزينة»، يقدّم أبو مراد عملاً من وحي المناسبة بعنوان «سماع نغميّ مشرقيّ من الآلام والقيامة، بحسب إنجيل يوحنا». يمتدّ العمل على ساعة وعشرين دقيقة، وهذا أول أداء علني للعمل تستضيفه «كنيسة سيدة الزروع» (حرم الجامعة الأنطونية/ بعبدا). يشارك في تقديمه إلى جانب نداء أبو مراد (تلحين، إشراف وكمان)، جورج فغالي (ترنيم/ «يسوع»)، وفاديا طنب الحاج (ترنيم/ «القارئ الإنجيلي الأول» و«مريم المجدلية»)، ومحمد عيّاش (ترنيم/ «القارئ الإنجيلي الثاني»، و«بيلاطس»، وعود)، وهشام حلاق (ترنيم/ «فيليبوس»و«الحارس» و«رؤساء الكهنة»)، وعبد الله مريش (ترنيم/ «القارئ الإنجيليّ الثالث»، و«سمعان بطرس»، و«توما»)، وغسان سحّاب (قانون). عمِل نداء في السابق على العديد من المواضيع الفنية ذات الطابع الديني، أو الصوفي عموماً، مستخدماً لناحية النص آياتٍ قرآنية وفقرات من الإنجيل، إضافةً إلى النصوص والأشعار الصوفية (ابن الفارض، الحلاج ...). آخر هذه التجارب يعود إلى 2009 مع «البشارة: سماع صوفيّ مسيحيّ إسلاميّ مشرقيّ» الذي قدّمه لمناسبة عيد البشارة، وأصدره في أسطوانة خاصة. اليوم يتمحور الموضوع حول زمن الآلام والقيامة في الديانة المسيحية، وتحديداً كما رواه يوحنا في إنجيله.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن أبو مراد قدّم منذ حوالى عقدٍ عملاً تحت العنوان ذاته، غير أنه قال لـ«الأخبار» إن الأمسية المرتقبة «ليست استعادة للقديم، بل ستشهد أداء مؤلف جديد بالكامل، استفدتُ لوضعه من الخبرة التي اكتسبتها أثناء بحثي في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة». ويضيف: «انطلقت من فكرة مشتركة مع باخ، وهي تلحين الآلام بحسب إنجيل يوحنا معرّباً، تماماً كما لحنه المؤلف الألماني بلغة بلاده» ... مع فارق جوهري بين العمليْن يكمن في اللغة الموسيقية (الكلاسيكية الغربية عند باخ، والشرقية التقليدية هنا)، كما في وجود هامش ارتجال عند المرنّمين في النسخة العربية (باستثناء المغنية فاديا طنب الحاج التي تلتزم بأداء ألحان مكتوبة بالكامل).
تؤدي الموسيقى (آلات الكمان والقانون والعود) في «سماع نغميّ مشرقيّ من الآلام والقيامة» دوراً ثانوياً كما يخبرنا نداء أبو مراد. الأساس متروك للترنيم المضبوط، إضافة إلى الارتجال الصوتي، وتؤدي الآلات دور المرافقة الموسيقية أو المقدّمات. هكذا يسير العمل بين الراوي والشخصيات المتكلمة (يسوع، بيلاطوس، بطرس ...) في النص الإنجيلي الذي اختيرت الفقرات التالية منه: العشاء الأخير، خطبة الوداع ومطلع القيامة.
من الناحية الموسيقية، ارتكز أبو مراد في التلحين على التقاليد الترنيمية المشرقية، مقتبساً بعض الفقرات من أناشيد «الحاش» السريانية المارونية الأنطاكية، ومن ترانيم الأسبوع العظيم الأرثوذكسي الأنطاكي والأرثوذكسي القبطي. نشير في الختام إلى أن زمن الفصح أوحى للعديد من المؤلفين (في العصور القديمة كما في العصر الحديث) بأعمال متفاوتة في قيمتها الفنية. أهمل التاريخ الكثير منها، وحافظ على الروائع الكبيرة، على رأسها ما تركه لنا باخ (1685 ــــ 1750)، مثل «الآلام بحسب إنجيل يوحنا»، والأهم منه في الفئة ذاتها «الآلام بحسب إنجيل متى»، وغيرها من الأعمال.
وفي السياق، نذكر أن الفنانة فاديا طنب الحاج التي تشارك في الأمسية المرتقبة، سبق لها أن قدمت منذ بضع سنوات عملاً بعنوان «الآلام العربية»، هو عبارة عن مختارات من العمليْن المذكوريْن لباخ، في نسخة معرّبة للنص الألماني، مع بعض التعديلات الموسيقية.

«سماع نغميّ مشرقيّ من الآلام والقيامة، بحسب إنجيل يوحنا» : 8:00 مساء الجمعة 15 نيسان (أبريل) الجاري ــــ «الجامعة الأنطونيّة» (بعبدا). للاستعلام: 05/924073