أخيراً، استفاق مثقّفو الجزائر من غيبوبتهم، ووقّعوا بياناً مشتركاً يحيّي «ثورة الياسمين» (*)، ويؤكّد خيبة أحلام الحريّة التي حملتها انتفاضة 5 أكتوبر 1988 في الجزائر. بعدما انتفض الشارع الجزائري ووقف في وجه تعسف الشرطة، فطن بعض مثقفي الجزائر إلى خطورة الوضع وبداية الانزلاق إلى الهاوية. هكذا، التفّوا حول بيان بعنوان «معاً من أجل التغيير الديموقراطي» حمل توقيع الكثير من الأسماء المعروفة، مثل محمد لخضر معقال، وعابد شارف، وأحمد رواجعية، وسعيد جعفر. البيان وجّه تحية إلى انتفاضة الشعب التونسي، وانتقد الدولة الجزائرية «التي تعتمد على إغلاق مجال الإعلام وترويج المغالطات».
وجاء فيه: «الوضع جدّ متردٍ. تقف السلطة في مواجهة الفوضى وغضب الجزائريين. ليست تعتمد سوى على قانون الطوارئ الدائم والاضطهاد البوليسي». وأضاف الموقّعون: «كما حصل في تونس، فإن انتهاك الدستور وتأسيس نظام رئاسي مدى الحياة في الجزائر، قادا البلد إلى مأزق درامي»، قبل أن يختموا: «لم تدفع الجزائر ضريبة الحرب الأهلية، عقداً كاملاً، من أجل العيش تحت ظلّ نظام قمعي».
رغم أن البيان حمل السلطة السياسية أسباب تردي الوضع، وإجهاض أحلام الحرية والديموقراطية التي تبنتها انتفاضة أكتوبر 1988، فإنّه جاء متأخراً بعض الشيء. في خضم الانتفاضة الأخيرة التي انطلقت من أحياء الجزائر العاصمة الفقيرة، قبل أن تنتشر في المدن الداخلية التي استفادت من الانتفاضة التونسية، لم يبرز على الساحة سوى صوت الصحافة الرسمية، والصحافة المستقلة الموالية للرئيس، التي بلغت أوج خطاباتها الشعبوية، عبر نشر تصريحات وفتاوى علماء السلفية في الجزائر والسعودية، التي تدعو إلى تحريم حرق النفس والنهي عن عصيان الحاكم. شعبوية كرّست حضورها بفضل تراجع حضور المثقف، وكانت سبباً في الحدّ من اتساع دائرة الغضب في الجزائر. يعلّق الكاتب والصحافي أحميدة عياشي: «أفرز الوضع الجديد موازين قوى مختلفة على الساحة الايديولوجية وداخل المجتمع. وكان تأثيرها كبيراً على المشهد الإعلامي». ويقصد الكاتب هنا العديد من الصحف التي راحت تركّز على تصريحات رجالات الدين، مثل «الشروق اليومي»، و«الخبر»، التي باتت تنشر صفحة دينية يومية. فيما لم تتوان «النهار الجديد» عن تخصيص مانشيتات للفتاوى التي تدعو للعودة إلى «بيت الطاعة» واحترام قرارات «ولي الأمر».


(*) لامنا بعض القرّاء التوانسة على استعمال مصطلح «ثورة الياسمين» التي تحمل في نظرهم طابعاً «استشراقيّاً» و«سياحيّاً»، واقترحوا علينا أن نتركها لصحافة «الخواجات»، ونستبدل بها تسمية «ثورة الكرامة» (التحرير)