القدس المحتلة | كمبادرة رمزية لإقامة فعاليات ثقافية وفنية من دون تمويل، افتتح فريق «ساند» الشبابي أخيراً أول أنشطته التطوعية في «قصر رام الله الثقافي» في مدينة رام الله المحتلة، تحت شعار «ثقافتنا بوصلتنا ... نحو حرية فلسطين الأرض والإنسان». على صفحته على فايسبوك، يعرّف «ساند» نفسه بأنّه «فريق من المتطوعين يسعى إلى إضفاء روح العمل التطوعي على أي نشاط وطني يخدم المجتمع من خلال اتخاذ مفهوم العونة الفلسطينية كقيمة أساسية للعمل». الأمسية الموسيقية التي شاركت فيها ثلاث فرق راب فلسطينية («تراب» من القدس/ رام الله، «دار قنديل» من طولكرم، «حق» من الناصرة)، لاقت إقبالاً جيداً بين الشباب الفلسطيني الذي ضاق ذرعاً بالتمويل الأجنبي، وما يعنيه ذلك من شكوكٍ حول فرض أجندات معينة على المشاريع الثقافية المحلية، وصنع نوع من الهيمنة على المشهد الثقافي والفني في فلسطين المحتلة.الأمسية كانت سياسية بامتياز.

افتتحها عريف الحفل الزميل عباد يحيى قائلاً: «لأننا عندما نغني لروابي الجليل وصفد وحيفا، لسنا بحاجة إلى روابي أخرى» في إشارة واضحة إلى مدينة «روابي» التي باتت معروفة بوصفها «مدينة الفلسطينيين الجدد» يشترك في بنائها فلسطينيون وخليجيون بتعاون مشبوه مع شركات إسرائيلية. وكان وجود اسمها ضمن رعاة احتفالية خاصة بمحمود درويش قبل فترة، سبباً مباشراً لإلغائها. الجمهور الذي تفاعل مع هذه الشعارات، لم يتردد في الهتاف بعد فقرة فرقة «دار قنديل» بـ«الشعب يريد إسقاط أوسلو» وغيرها من الهتافات الجماعية والتعليقات الفردية التي كانت تتعالى هنا وهناك خلال العرض أو بين الفقرات، وهو ما نغّص الأجواء على بعض الحضور، فعلّقت إحداهنّ: «يعني أمسية موسيقية شو لازمة كل هالشعارات».
مشاركة فرقة «تراب» كانت الأبرز في الأمسية. تفاعل الجمهور بحماسة شديدة مع أغنياتها التي بدا أنه يحفظ بعضها جيداً، مثل أغنية «بكرا إعلان الدولة» التي منع قائد شرطة رام الله الفنان باسل زياد من إكمال غنائها في حفل سابق في بداية العام. أما ذروة الحفل، فكانت التحية التي وجهتها الفرقة لذكرى الثورة الجزائرية، إذ قدّمت الفرقة لأول مرة أغنيتها الجديدة «جزائر» (قصيدة للشاعر نجوان درويش). وقد سُجلت الأغنية خلال الحفل لتُنقل للجزائر في مناسبة مرور 60 على الثورة بلد المليون شهيد، كما أشار الفنان باسل زايد. إلى جانب دلالتها السياسية، فإن الأغنية بدت إضافة نوعية لتجربة الفرقة، وتميزت بمعانيها الإنسانية وشعريتها العالية الممزوجة بالروح الثورية: «لو كان لي ابنة سأَحتارُ في اسمها/ وفي الآخر/ سأَختار الجزائر ... سأَهمس لها: يا جزائر قبل أَن يُحَفّظوكِ الأَكاذيب/ لا تحفظي سوى أَسماء الذين قضوا يدافعون عنك. حين تمشي في القدس القديمة ستضرب خطوتها في القصبة أيضاً/ وحين تتجند لمقاومة من بقي من الغزاة سيقولون كم تُشبِه جميلة بوحيرد ... أيّتها الجزائر يا ابنتي/ أَيّتها الجِبال الفَتيّة التي تمدُّ أَقدامها في البحر/ أَيّتها الجزائر المحمولة فوق قوافل الرَّنين المُهَودَجَة بالسَّراب/ أيّتها السَّراب العَذْب/ دعيني أَغرق في أَحلام يقظتي/ يا ابنتي دعيني».
بعد ذلك، قدمت فرقة «دار قنديل» مجموعة من أغنياتها التي لاقت استحساناً من الجمهور، ثم جاء الختام مع فرقة «حق» التي لم تكن مسك ختام الأمسية بسبب فذلكة غريبة من مدرب الفرقة خضر شاما، الذي أثار حفيظة الجمهور ودهشته حين أهدى أغنية «فلسطيني غصب عنك» إلى جيش الاحتلال والمؤسسة الإسرائيلية كنوع من التحدي الذي لم يكن موفّقاً، بل جاء كجرعة زائدة من الشعاراتية الوطنية والثورية التي زادت عن الحد في أجواء الأمسية.
من جهة أخرى، لم يكن التنظيم مثالياً، فقد تأخرت الأمسية نحو ساعة عن الموعد المحدد، كما أن المنظومة الصوتية في «قصر رام الله الثقافي» لم تكن في أحسن أحوالها تلك الليلة، ما أثّر سلباً على نقاء الموسيقى والغناء.
تجربة فريق «ساند» القائمة على فكرة «العونة» الفلسطينية، ليست الأولى من نوعها ولو اختلفت طبيعة النشاطات المشابهة، إلا أنها تجربة جديرة بالاهتمام والدعم على المستويين التنظيمي والفني، فإقامة أمسية موسيقية ليست بالبساطة والعفوية التي يتخيلها منظمو الحفل، ونجاحها لا يقتصر على صواب الفكرة أو عدد الحضور وحماسته للتطوع والمشاركة.