مدينة البوابات السبع ما زالت تنتعش بسكانها كل يوم. هناك من قرّر أن يلفت النظر إلى استمرارية الحياة مهما حصل. الممثلة السورية الشابة نغم ناعسة فكّرت في مشروع فني بسيط يحاكي الشارع ويخترق خوفه ويسرقه من الأفكار السوداء التي تلاحقه نتيجة اتساع رقعة الحرب في البلاد. هكذا، قرّرت بالتعاون مع الموسقي آري سرحان إطلاق مشروع «ومضة» لتقديم أغنيات سوريّة مكرّسة تعبّر عن الوطن، ولكن في الشوارع والأسواق العامة. في الوقت الذي تقدم فيه الفرقة عملها، توثّق ناعسة المشاهد بكاميرات فيديو، وترصد ردات فعل المارة بطريقة تشبه مسرح «الحدث المفاجئ» أو «المسرح الخفي» (happening). انبعثت الفرقة في سوق الشعلان ثم شارع العابد في الصالحية، ومرّة في الشام القديمة. وفي أحدث عمل لها، وقفت في آخر شارع الحمراء لتقدّم أغنية «موطني» بتوزيع جديد سبقها موّال كتبت كلماته ناعسة. بثت الأغنية أمس على يوتيوب، قبل أن تتسلّل إلى صفحات السوريين الافتراضية ومنهم ناشطون وفنانون معروفون. وفي تفاصيل الشريط الذي حمل اسم «ومضة كيماوية»، تقف طفلة وهي تلعب حول شجرة بينما يفترش بعض السوريين الأرصفة كما يفعلون عادة، وسط أصوات القصف والطيران، وتعلو أصوات البعض بكلمة «لا مشكلة»، قبل أن تعلن الطفلة بدء العزف بطريقة تشبه الانفجار.

عندها، يبدأ عازف الكلارينيت يزن الصبّاغ بالعزف يشاركه سامح حداد على الكونترباص، ومحمود كنفاني على الإيقاع، وباسيليوس العوّاد على التشيلو، ونذير سلامة على الغيتار. أما الغناء، فتتقاسمه ساندي نحاس مع غيث منصور. أفراد الفرقة وضعوا الكمّامات البيضاء في إشارة واضحة لخطر السلاح الكيميائي الذي استخدم أخيراً في غوطة دمشق وأودى بمئات الضحايا من الأطفال وجعل من سوريا فوهة بركان قد تنفجر في وجه عدوان أميركي محتمل. واللافت أنّ «ومضة كيماوية» عمل عادي يخلو من أي جديد وربما يتقصّد البساطة لأنّه يستمد ميزته وفرادته من تفاعل الناس الذين تحلقوا حول الفرقة، ومن ردات فعلهم وانسجامهم الكلي وتعاطفهم إلى درجة البكاء الذي صنع بعداً درامياً عفوياً وصادقاً للعمل، في حين انتهز عدد كبير منهم اللحظة الخاصة لتسجيلها على هواتفهم الخلوية. يتحدى الشباب السوري الموت والألم، ويقدّمون الموسيقى بشكل مسرحي مفاجئ في الشوارع، علّه يخترق قلب المارة ويأسرهم لدقائق معدودة ويبعدهم عن التفكير في الموت المحتم!



في المصاعد والحافلات

الأغنيات المكرسة هي مقدمة لانطلاقة أغان جديدة ولوحات راقصة ستقدمها «ومضة» على الطريقة ذاتها أي بشكل مفاجئ وفي مكان جديد بين الجمهور. تقول الممثلة الشابة نغم ناعسة لـ«الأخبار» «بأنّها تعتزم تقديم لوحات راقصة في أزقة الشام القديمة ومصاعد المستشفيات وحافلات النقل العام وأماكن غير متوقعة». وتؤكد أنّ «العمل يقدَّم من دون دعم مالي أو إعلامي». وتضيف أنّها في طور التحضير لعمل كبير خاص بالفرقة قد تسافر فيه إلى بيروت، لكنها لن تتمكن من تقديمه كما يجب إلا في حال تأمين دعم مالي مناسب. وتلفت أخيراً إلى أن خجل بعض الموسيقيين في الشارع يعتبر من أكبر المصاعب التي تواجهه الفرقة في عملها.