اللاذقية | تأبين مهيب كان من نصيب نضال سيجري في «المركز الثقافي القومي» في اللاذقية أمس. الممثل السوري الذي رحل عن 48 عاماً (الأخبار 12/7/2013) بعد صراع جبّار مع سرطان الحنجرة دام سنوات، ترك وراءه ولديه ويليام وآدم وزوجة بدوا غرباء في جنازة جاءت كأنّها فرصة لظهور المسؤولين الرسميين. الطفلان وأمهما التي بدت متماسكة، انزووا بصمت في مكان قصي في الصف الأول، فيما كانت صدارة الجلوس للمسؤولين. أما شقيقة الراحل التي كانت تجلس إلى جانب وزير المصالحة الوطنية علي حيدر، فبدت منهارة تماماً.
من وطئ خشبة «المسرح القومي» في اللاذقية أمس، سينتابه شعور عميق بالحزن. مناسبة الزيارة مؤلمة للمسرح السوري هذه المرة. السواد لفح كل شيء داخل المكان الذي امتلأ بصور «فنان البحر» كما يلقَّب عبر شاشة عرض نُصبت على خشبة المسرح، مع موسيقى حزينة فيما وضع التابوت في وسط المسرح. شهد التشييع غياب نجوم كثيرين كانوا أصدقاء ورفاقاً للراحل بسبب استحالة السفر إلى اللاذقية بهذه السرعة. فقد حاول باسم ياخور، والليث حجو، وعابد وعامر فهد حضور التشييع، هم الذين يقيمون خارج سوريا، لكنّهم لم يتمكنوا من تحصيل تذكرة سفر قبل 15 يوماً. هكذا، اقتصر الحضور على نقيب الفنانين في اللاذقية حسين عباس، والياس الحاج، وفائق عرقسوسي وقاسم ملحو. فيما جاء المخرج سمير حسين خصيصاً من دمشق لحضور التشييع. وكان لافتاً الحزن والألم الذي سيطر على الممثل جرجس جبارة الذي غرق في دموعه عندما حمل النعش.
بداية مراسم التأبين كانت وصول جثمان الراحل إلى «المسرح القومي». اجتمع الطلاب أمام نعشه، ليتمّ وداعه بإلقاء بعض كلمات الرثاء. امتلأ المسرح بالشخصيات الرسمية والفنية، فيما جال الجثمان محمولاً على الأكتاف على خشبة المسرح في مشهد مهيب، ليكون اللقاء الأخير بين سيجري ومكانه المفضل قبل أن يُختتم بكلمة رثاء ألقاها مدير المسرح الجامعي هاشم غزال.
وزير المصالحة الوطنية علي حيدر وصف الفنان الراحل بـ«السوري الأصيل الذي جسّد في أعماله الدرامية والمسرحية شخصيات تشهد له بمواقفه الأصيلة». موقف سيجري مما يجري في سوريا ودعوته إلى الهدوء عبر الرسائل الكثيرة التي وجّهها، نالا الحصة الكبرى من المديح لدى المتحدثين عن مناقب الراحل. مدير الثقافة في اللاذقية اسكندر ميا ذكر أنّ سيجري «رفع راية لا للسلاح والقتل في سوريا، مطالباً بسوريا للجميع. وهو الذي أكّد أننا نختلف في الوطن، إنما لا يجب أن نختلف عليه». وأضاف ميا أن الراحل لم يقف مع الموالاة ولا المعارضة، ولذا فإن «الفقيد هو خسارة يصعب أن تعوّض»، متمنياً لو أن جميع الفنانين السوريين كانوا في مستوى الفقيد.
إحدى الحاضرات، وهي صديقة للراحل، هتفت بتأثر: «سنشتاق إبداعك». وفي حديثها مع «الأخبار»، انتقدت تنظيم التأبين، قائلةً «هل من المنطقي أن تطبع ثلاث نعوات لوفاة سيجري؟ أين التنظيم هنا؟ الكل يريد أن يظهر أنه البطل في هذا التأبين، إلا أنّ سيجري كان طلبه الوحيد هو زيارة المسرح».
وفي السياق ذاته، تواجد عدد من طلاب المعهد العالي مصرّين على حضور الجنازة رغم الوضع الأمني الصعب على الطريق بين دمشق واللاذقية. بعدها، انتقل الجثمان إلى «مسجد ياسين» بالقرب من المنطقة التي عاش فيها سيجري قبل أن يوارى في الثرى.
ورغم محاولة البعض اقتناص الفرص للظهور في موته، كانت وصيته بأن يكون مشواره الأخير على المسرح، أصدق تعبير عن تأثير الخشبة في قلبه. رحل أسعد خشروف بطل مسلسل «ضيعة ضايعة»، تاركاً شعبه مع «الوحوش الضاريات» بحسب عبارته الشهيرة ضمن حلقات المسلسل. وبقيت غصّة في حلق السوريين حول هذا الرحيل المبكر في الزمن الصعب، فأسعد الطيب والدرويش والمسامح هم أكثر ما تحتاج إليه سوريا
اليوم.