أمس، ارتفع صوت الموسيقى على شاشة الإخبارية السورية، واحتلت مقطوعة «القبض على فاطمة» للموسيقار عمر خيرت مساحة أكبر من الأخبار. قررت المحطة أن تنعى فقيدتها يارا عباس (1988 ــ 2013) على نغمات المقطوعة الشهيرة لتكون خلفية لفوتومونتاج مميز لتقاريرها الميدانية من مخيم اليرموك إلى حلب والقصير حيث لقيت حتفها. في اتصال مع «الأخبار»، يفيد مصدر مسؤول بأنّ المعارضة المسلحة نصبت كميناً لمجموعة من الجيش السوري ومن يرافقهم من فريق المحطة الرسمية، بالقرب من مطار الضبعة العسكري (شمال القصير). وكانت النتيجة سقوط قتلى واستشهاد الإعلامية الشابة، وإصابة المصور أسامة ديوب ومساعده بدر عواد بكسور وجروح. وقد نقل الجميع إلى أحد مستشفيات حمص، بينما لُفّ جسد يارا بالعلم السوري تمهيداً لإضافة اسمها إلى قائمة الإعلاميين الذين سقطوا بنيران النزاع. هكذا، تدخل الإخبارية السورية رقماً قياسياً في الخسائر المتلاحقة التي مُنيت بها، بدءاً من تفجير مبناها في ريف دمشق، وتصفية مساعد المصور حاتم بو يحيى (الأخبار 13/8/2012)، وصولاً إلى حادثة أمس. وكانت أسرة يارا قد هُجِّرت من مدينتها حمص بعد ارتفاع وتيرة العنف هناك، فحاولت الشابة إنهاء سنتها الجامعية الأخيرة في الأدب الإنكليزي في «جامعة دمشق»، وانضمت إلى فريق الإخبارية السورية، لتكون نجمة التقارير الميدانية في أماكن الاشتباكات.
تسلّحت بميكروفون وخوذة وسترة واقية من الرصاص لم تساعدها هذه المرة في النجاة. يقول مدير الإخبارية عماد سارة في تصريح لـ«الأخبار»: «الإعلامية الشهيدة لم تحمل سلاحاً ولم تقتل. فأين صوت الإعلام العربي من هذه الجريمة؟ وأين صوت المنظمات المسؤولة عن حماية الصحافيين؟». أما يارا صالح، زميلة عباس في المحطة ذاتها التي سبق أن اختطفت في مدينة التل، فلم تستطع حبس دموعها في اتصال مع «الأخبار». قالت: «هي من آوتني يوم شُرّدت من مخيم اليرموك. عرفت عن قرب طيبة قلبها وحقيقة انتمائها الوحيد إلى الوطن».
في المقابل، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات التضامن ونعي الإعلامية الراحلة، بينما فتح بعض «مناضلي» فايسبوك صفحاتهم للتنظير في الزمن الخاطئ أو لإفراغ سموم الشماتة حتى على الدماء. وحمّلت مقاطع على اليوتيوب عبارة عن تقارير ميدانية أجرتها يارا عباس، فحظي أحد الفيديوات الذي صوِّر في حلب بعدد كبير من المشاهدات، وخصوصاً أنّ المذيعة ظهرت فيه وهي تسقط على الأرض فيقع الميكروفون من يدها، وسرعان ما تنهض وتحمله مكملةً طريقها.
في 20 أيار (مايو) الماضي، كان يُفترض أن تطفئ يارا شمعتها الـ 25 لكنّها اختارت الاحتفال بعيد ميلادها برفقة أصدقائها قبل يوم واحد من هذا التاريخ الذي تزامن مع سفرها إلى مهمتها الأخيرة. ذهبت في اليوم الذي ولدت فيه، وهو التاريخ نفسه الذي سقط فيه أيضاً الإعلامي والمخرج الشاب باسل شحادة العام الماضي. لم تكن يارا تعلم أنها تطفئ شمعتها الأخيرة قبل أن تتحوّل إلى خبر عاجل جديد.