خلال أسبوع واحد، جمع «الربيع العربي» بين أبي العلاء المعرّي وطه حسين. ليست المرّة الأولى التي يلتقي فيها الرجلان، رغم القرون التسعة التي تفصل بينهما. الشاعر الوجودي العدمي ومفكّر الشك والتجديد، كلاهما «راء» تعرّض بالنقد للوعي الغيبي المطلق، وتصادم مع ثوابت عصره والدوغما المهيمنة على الفكر الحرّ. كلاهما اتّهم بالزندقة، وواجه مشاكل مع الخطاب المهيمن. وحين ناقش طه حسين رسالته عن المعرّي عام ١٩١٤ قامت الدنيا في مصر ولم تقعد، ما شرّع أمامه أبواب السفر إلى فرنسا.
واليوم، بعدما فتح الزلزال العربي «علبة باندورا»، فأفلتت منها كل مصائب الدنيا ولعناتها، مقصلة واحدة قطعت رأسيهما في الظلام ـــ بين معرّة النعمان في الشمال السوري… والمنية في صعيد مصر ـــ وسط ذهول يشلّ حتّى القدرة على الغضب. يبدو أن علينا أن نقبل بـ «الأمر الواقع». هكذا سيكون المشهد في السنوات المقبلة. علينا أن نقبل، علينا أن ننسى. أن نسكت. أن نتوقّف عن التفكير. أن نبيع عقلنا في سوق البالة، ونبحث لنفسنا عن صفقات مربحة قبل فوات الأوان. أن نتنازل عن مشاريعنا التنويريّة، وأفكارنا «المترفة». علينا أن ننصت إلى «إرادة الشعب»: الشعب يريد احلال الشريعة، الشعب يريد قتل الكفّار ونبش قبورهم وتطهير الأرض من أدرانهم، واحراق كتبهم وتحطيم تماثيلهم النجسة. الشعب يريد وأد النساء، واعادة كتابة التاريخ. الشعب، نعم «الشعب» يريد. الشعب يريد الحقد الطائفي والعنصري، والتصفيات الدينيّة، والحروب المذهبيّة والاتنيّة والعرقيّة. الشعب يريد محاكم التفتيش. الشعب يريد الأنظمة التيوقراطيّة والاستبداد. الشعب يريد الأنظمة النفطيّة، الشعب يريد أميركا واسرائيل. لكن من يعرف ماذا يريد الشعب؟ الناس الذين انتفضوا يطالبون بحكم عادل يقوم على تداول السلطة، وعلى أساس التمثيل الشرعي للمواطنين. إعادة الاعتبار إلى الشعوب المقهورة، تترافق عادةً مع انبعاث حريّة التفكير والتحرّك، والقول والمبادرة والاختلاف، واعادة النظر بكلّ المسلّمات. أليست الثورة اعلان القطيعة مع الأنماط القديمة؟ في زمن الصحوة تستعيد الشعوب رموز نهضتها، قادتها الأبطال، ومفكّريها وكتّابها الأحرار. أما في زمن الانحطاط، فيُقتل الكتّاب وتحرق الكتب وتحطّم التماثيل وتسود ذهنيّة التكفير والتحريم وأحكام الردّة والخوف. فيلسوف المعرّة وصاحب «الأيّام» عادا من بعيد، ليشهدا على الانتفاضات المصادرة والنهضة الممنوعة.
5 تعليق
التعليقات
-
ان أسوأ ما تتعرض له المجتمعاتان أسوأ ما تتعرض له المجتمعات العربية هو انبعاث السلفية من قمقم مجاهل التاريخ وزيف أحداثة.انه عصر الأنحطاط والتخلف القادم الينا تحت مسمى حكم الشريعة ومعزوفة تقطيع الروؤس والتفجيرات المتنقلة الممتدة من أفغانستان ولا تنتهي في دمشق . لأن السلفية لا تطيق رأيا آخر ورأيهاالهي!!!مبرم والحجاج عاد من جديد لزرع الرعب في قلوب المعادين لأمير المؤمنين والموالين له على حد سواء.احتكار الأحكام الألهية ممهورة بخاتم الوهابية التكفيرية، وارث ابن تيمية في التجهيل والتكفيرلا تلغيه مؤتمرات محاربة الأرهاب التي تذر الرماد في العيون.ولكنها لا تعمي الا أبصار منظميها.هم يمولون قطع الروؤس ويعلنون براءتهم من السيوف وليس من حامليها.أنه عصر الغش والخداع واحتكار قرار السماء.
-
ألا يفتح هذا سؤالا حول علاقةألا يفتح هذا سؤالا حول علاقة العمل الأدبي والفكري بالسلط. فاللغة العربية وآدابها سلطان آن أوان تزلزله، ولا يعود كل اللوم على "أهل الظلام"، بل إنّ الكثير من اللوم يُلقى على "أهل العلم" الذين حنّطوا تراثنا.
-
عينك التانية كيفها؟ يعنيعينك التانية كيفها؟ يعني النظام الممانع والمقاوم يحتمل أمثال المعري وطه حسين؟ ذيس إيز تو ماتش.
-
رهين المحبسين.. وحابسو الرهائنرحم الله أبا العلاء! كأنما استشرف الغيب، ورأى بنور بصيرته أبناء الظلام وهم بقترفون فعلتهم الشنعاء، فقال: شَرُفَ اللَّئيمُ! وكَمْ شَرِيفٍ رَأْسُه هَدَرٌ يُقَطُّ كَمَا يُقَطُّ الـمِزْبَرُ ومطلع القصيدة: يَدْعُونَ في جُمُعاتِهِم بِسفاهةٍ لأميرِهِم.. فيَكادُ يَبْكِي الـمِنْبَرُ فاعجَبْ!!
-
ليت شعري ..."يبدو أن علينا أن نقبل بـ «الأمر الواقع». هكذا سيكون المشهد في السنوات المقبلة. علينا أن نقبل، علينا أن ننسى. أن نسكت. أن نتوقّف عن التفكير. أن نبيع عقلنا في سوق البالة، ونبحث لنفسنا عن صفقات مربحة قبل فوات الأوان." أليس هذا بالظبط يا أستاذ بيار ما طلبته من قرائك الذين حاولوا تنبيهك ان ما يا يجري ليس بربيع و لا ثورة؟ "أليست الثورة اعلان القطيعة مع الأنماط القديمة؟ في زمن الصحوة تستعيد الشعوب رموز نهضتها، قادتها الأبطال، ومفكّريها وكتّابها الأحرار." هي كذلك الثورة، و لكن عندما تكون ثورة لا حرباً همجية ، هي كذلك عندما لا يكون مفكروها مأجورين لشيوخ النفط و الغاز او أسيادهم او في أحسن الأحوال أسرى نرجسيات مبنية على الأوهام و الاضاليل....