طنجة | رغم تنوّع البرمجة التي تقدّمها الدورة 14 من «مهرجان طنجة السينمائي» التي تستمرّ حتى 9 شباط (فبراير)، إلا أنّ ما طغى إعلامياً على المهرجان هو قضية عرض «تنغير ـــ القدس، أصداء الملاح» للمخرج الشاب كمال هشكار. علماً أنّ «الملاح» هو الحي اليهودي في المدن المغربية القديمة. وكان الفيلم عرضته سابقاً «القناة الثانية» المغربية، من إنتاج المحطة وشركة إنتاج فرنسية.
انطلق الاحتجاج على الشريط الوثائقي في البرلمان المغربي حين شنّ أعضاء من الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) حملة عليه. وفي طنجة، دعا إسلاميّو الحزب إلى وقفة رافضة للفيلم ضمت تنظيمات سياسية مختلفة. وخرجوا ببيان يصف العمل بأنّه «محاولة للتطبيع مع الكيان الصهيوني عبر تمريره رسائل خطيرة تشرعن الاستيطان وتروّج للأساطير المؤسِسة للكيان الغاصب من قبيل «أرض الميعاد» وغيرها من المفاهيم الملغومة التي تعمل على تشويه الحقائق التاريخية وطمس الذاكرة الجماعية».
لكن هل يبغي الفيلم حقاً التطبيع؟ ينحدر المخرج من مدينة تنغير الأمازيغية. طيلة ألفي عام، سكن المدينة يهود أمازيغ رحلوا جميعهم بعد احتلال فلسطين. صاروا جزءاً من ذاكرة المدينة والعائلة. يؤكد المخرج أنه كلما عاد في طفولته وشبابه إلى تنغير، كان يسمع حوارات عن يهود المدينة الحاضرين ــ الغائبين. لهذا، قرّر المخرج أن ينجز وثائقياً عن مكون أساسي في ذاكرة المدينة والمغرب، والذاكرة الجماعية من دون أي رغبة في التطبيع كما أكد في حوارات عدة، مستغرباً كل هذا الجدل وداعياً منتقديه إلى مناظرة عامة حول مضمون شريطه.
وأشار هشكار إلى أنّ الفيلم جاء لتوضيح الصورة عن يهود تنغير الذين هاجروا. لهذا بالضبط انتقل إلى الأراضي المحتلة وصوّر لقاءات مع يهود منحدرين من المدينة. ركّز الشريط على علاقة هؤلاء بالمغرب وبأصولهم الأمازيغية. في أقوالهم، نحدس أنّ جزءاً منهم خضع للتضليل من الدعاية الصهيونية لإجباره على الرحيل. تقول امرأة عجوز في الشريط إنها «هنا»، لكنّ قلبها هناك في المغرب وأنها مغربية في الأساس. أخرى ما زالت تحفظ تقاليد العائلة، وتعبّر عن فرح كبير بلقاء المخرج الذي حدث بالمصادفة. آخر غادر المغرب قبل خمسين سنة لكنّه لا يزال يحفظ لغته ويعبّر عن هذا بفرح.
مواجهة التطبيع أمر طبيعي وضروري. لكنّ الفيلم ليس تطبيعاً بالنسبة إلى كثيرين ممن شاهدوه. هو يستعيد مكوناً أساسياً من المجتمع المغربي والمجتمعات العربية ألا وهو «الأقليات الدينية» التي يصرّ الإسلاميون على تغييبها لفرض إيديولوجيتهم وفكرهم الوحيد. وبعيداً عن هذا الجدل، خُصِّصت الدورة 14 لتكريم الرعيل الأول من السينمائيين المغاربة من بينهم أحمد البوعناني المخرج والكاتب والمثقف الإشكالي الذي ضايقته الرقابة السينمائية، لكنه ترك أعمالاً فنية راسخة في الثقافة الشعبية. خلال سنواته الأخيرة، اختار البوعناني العيش في عزلة قبل أن يرحل عام 2011 عن 73 سنة. وكان السينمائي علي الصافي التقاه كثيراً في تلك الفترة، فأنجز وثائقياً عنه هو الآن في مرحلة المونتاج. وقد قدِّمت مقاطع منه في افتتاح «مهرجان طنجة». قائمة التكريم الرسمية ضمّت أيضاً عبد الله العمراني وعائشة ماهماه، ومحمد بنبراهيم الذي ما زال يقدم أدواراً سينمائية متميزة رغم معاناته من المرض. أما مسابقتا المهرجان، فهما مسابقة الأفلام الروائية الطويلة التي تشمل 12 شريطاً يترأس لجنة تحكيمها المخرج الفرنسي جاك دورفمان، وثانية للأفلام القصيرة تضمّ 14 عملاً يترأسها المغربي أحمد اخشيشن. من المخرجين المشاركين في الدورة: فريدة بليزيد، وحكيم بلعباس، ومومن السميحي، ونور الدين لخماري، وحسن بنجلون، ونبيل عيوش، والأخوان سهيل وعماد النوري...