أخيراً، ظهرت الممثلة اللبنانية ندى بو فرحات في حملة دعائية وهي تحمل طفلاً من البلاتين على كتفها وحقيبة مع غصن زيتون، تتوشّح بالأبيض مع عارِض بجانبها يُعطينا ظهره بالرداء الأبيض المُتماشي مع ملابس الممثلة اللبنانية، بينما كُتبت على قميصه عبارات باللغة العربية، عن الحرب والقتل والإنسانية... كأنّنا بها أمام ملصق ترويجي لمنتج أو لمسلسل رمضاني جديد! إلى جانب تلك العبارات الفضفاضة والخجولة التي نعرفها جميعاً وبإمكان أيّ كان كتاباتها والحديث فيها، من دون أن تذكر ولو عرضياً هوية مُرتكب هذه الأفعال وصانع هذه المأساة، كُتبت في أسفل الصورة عبارة فضفاضة أخرى هي: «أوقِفوا قتل الأطفال». أيّ أطفال؟ ذلك البلاتين على الكتف المتماشي مع لون الخلفية والحقيبة والفستان والخلفية البيضاء المعقّمة؟ أيّ طفل هذا؟ ومَن صنع وأسّس وشارك في مُعاناته وجوعه وموته؟ كيف يُجهّل الفاعل أصلاً في عالم يلوك موتنا بهذا الوضوح؟
كُتبت على قميص العارض عبارات باللغة العربية، عن الحرب والقتل والإنسانية
هذا كُلّه، يستحيل التعاطي معهُ على مبدأ التضامن فقط، أو مبدأ مجزرة مجهولة الفاعل. مبدأ استعراضي يُظهّر الموت كحدث من الممكن إلى جانبه أن نبيع سلعة أو نصنع دعاية لمُنتج. إن على ذلك أن يُغيّر العالم، أن يُهدّم مصالح ويوقِف الزمن، أن يُغيّر حتى طريقتنا بالتعاطي مع العالم ككُلّ. عالم يتفنن في أساليب قهرنا من غير المُمكن أن نستخدم الأسلوب «الأبيض» في التضامن مع قضيتنا قبل أيّ شيء آخر. وهذا ليس حديثاً شاعرياً أو عاطفياً لأُناس مثلنا يُريدون التضامن أو أن يقِف العالم لنُصرتهم. نعرف أن العالم يسير رُغم كُلّ شيء، حدث ذلك لآلاف المرّات في التاريخ. لكن، بالنسبة إلى أولئك الذين راجت تسميتهم بالمؤثرين، من العرب تحديداً كما قُلنا، لا يُمكن أن تكون هذه حرباً عادية، لا يُمكن أن تكون قضية للتضامن فقط أو لتُطرّز على فستان ممثلة أو يحملها في شعار فضفاض خجول فنان من الفنانين. لا يُمكن أن تكون سلعة أو «تريند» يقِف في طريق مسدود غير مجابه العالم الذي دعم وموّل وجمع زاده وإعلامه وأمواله وأسلحته كُلّها من أجل أن تبقى إسرائيل قادرة على الفتك بشعب غزة الأعزل.