240 شهيداً فلسطينياً، من بينهم 60 طفلاً، وأكثر من ألف جريح، إضافة الى تدمير 7680 وحدة سكنية، من بينها 1313 دمّرتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بالكامل في غزّة... أرقام أوردتها أول من أمس، ثلاث منظمات حقوقية فلسطينية (الحق، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ومركز الميزان)، حصيلة العدوان الإسرائيلي على القطاع قبل عشرة أشهر. أرقام لم تهزّ شبكة «دويتشه فيله» التي منعت وقتها ــ خلال معركة «سيف القدس» في أيار (مايو) الماضي ــــ نشر تقارير «تنتقد إسرائيل» خلال تغطيتها للعدوان، إذ أظهرت وثيقة داخلية سُرّبت حينها، عن منع DW، مراسليها ومحرّريها من تغطية الجرائم الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بدعوى أن «إرث المحرقة ومسؤولية ألمانيا الخاصة تجاه إسرائيل، لا يزالان حجر الزاوية في دستور البلاد وسياستها الخارجية». وقتها، توجّهت رئيسة التحرير في الشبكة الألمانية مانويلا كاسبر-كلاريدج، إلى الموظفين، قائلة: «نحن في «دويتشه فيله» لا نشكك أبداً في حق إسرائيل بالوجود كدولة، ولا نسمح للأشخاص الموجودين في تغطيتنا بالقيام بذلك».
ناصر الجعفري ـ الأردن

وأضافت: «لا نشير أبداً إلى نظام الفصل العنصري في إسرائيل، ونتجنب أيضاً الإشارة إلى الاستعمار أو المستعمرين»! وختمت: «نعتبر أنّ انتقاد إسرائيل معاداة للسامية». كلام يحمل درجة عالية من الخطورة، لم تصل إليه حتى الشبكات الإعلامية التي تتسم بمغالاة عالية في الانحياز إلى كيان الاحتلال. منذ ذاك الوقت، بدأت الشبكة الألمانية ـ على ما يبدو ـ خطواتها العملية لتقديم فروض الطاعة للاحتلال والتعمية على جرائمه الموثّقة على مرأى العالم. كرّت السبحة لتطاول الشهر الماضي محطة «رؤيا»، التي علّقت «دويتشه فيله» التعاون الإعلامي معها، بسبب نشر القناة الأردنية كاريكاتورات وتعليقات صُنّفت «معادية لإسرائيل». جاء ذلك بعدما قامت مجلة «فايس» الأميركية بالوشاية بها وبمنشوراتها على وسائل التواصل. تعليق استدعى تدخلاً من قبل عشرات الصحافيين والحقوقيين في الأردن، أكدوا وقتها أن ما تعرّضت له القناة الأردنية، ينطوي على «استخدام معاداة السامية كسلاح في وجه الصحافيين والإعلاميين والمدافعين عن حقوق الإنسان» من دون فهم «دقيق ومحدد» للمصطلح الذي «يحصن انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة من حق النقد والنشر».
حينها، علّق مسؤول المبيعات والتسويق والإنتاج والتقنية في DW، جويدو باومهاور قائلاً: «نعتذر لأننا لم نلتفت إلى هذه الصور المثيرة للاشمئزاز، وعلينا إعادة تقييم التعاون بعد عمليات النشر المثيرة للشك عن طريق تلفزيون «رؤيا»». اللافت في تصريحه، التحذير الذي أطلقه، عندما لوّح «بمراجعة اختيارنا للشركاء داخلياً بقدر أكبر من النقد، سيّما في ما يتعلق بمعاداة السامية والعنصرية». وهنا تكمن الخطورة: ليس فقط في فرض الرقابة والتعمية على الجرائم الإسرائيلية، ونسف حرية الرأي والتعبير، تحت غطاء «معاداة السامية»، بل المعاقبة والتلويح بفك الشراكة مع مؤسسات عربية وحتى لبنانية، في حال بثّت موادَّ «معادية للسامية» تتضمن «عنصرية» ضد كيان الاحتلال. هذا ما يظهر بشكل أكبر، في توصيات لجنة الخبراء التي تشكّلت أخيراً للنظر في «نقاط الضعف التنظيمية في مجالات العمل»، والاتهامات التي وُجهت إلى مجموعة صحافيين ومتعاونين مع الشبكة الألمانية (القسم العربي)، حول تعليقات دُوّنت على السوشال ميديا، تدرجها DW، ضمن «معاداة السامية وكراهية إسرائيل». فقد أوصى عضو اللجنة، الاختصاصي النفسي الصهيوني الهوى أحمد منصور، بمراجعة الشراكات مع القنوات العربية واللبنانية، وإدراج بند «الاعتراف بحق إسرائيل بالوجود، وعدم معاداة السامية». فكيف ستنسحب هذه التوصية على الشراكات المعقودة بين الشبكة الألمانية وقنوات محلية لبنانية، وحتى منظمات إعلامية وحقوقية لبنانية، سيّما مع تغلغل DW، أكثر في الداخل اللبناني خلال السنوات الأخيرة؟
كشفت وثيقة داخلية مسرّبة عن منع DW مراسليها من تغطية الجرائم الإسرائيلية


لغاية الآن، خمسة صحافيين طُردوا من عملهم في القسم العربي من «دويتشه فيله» بينهم مدير القسم باسل العريضي، فيما ينتظر ثمانية آخرون مصيرهم، وسط تصاعد لهجة المؤسسة الألمانية حيال أي نقد يطاول «إسرائيل» وجرائمها وممارساتها العنصرية. كان لافتاً في تقرير اللجنة المذكورة، الذي نُشر أول من أمس، ما ساقته حيال الخطوات المستقبلية التي ستتّخذها DW بوضع «دليل لتعريفات وتفسيرات تتعلق بمعاداة السامية وكراهية إسرائيل»، وأيضاً في «تحسين الإجراءات في توظيف الصحافيين في القسم العربي»، و«ضرورة إيجاد معايير لاختيار الشركاء» بعدما أوردت بأن تدوينات الصحافيين المصروفين تعسّفاً، لم ترقَ إلى مستوى «معاداة منهجية للسامية» في «دويتشه فيله» بل إنّها تنحصر بـ «حالات فردية مؤسفة»!