لا شيء يسابق الوقت اليوم سوى التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي التي انطلقت كمنابر متواضعة، انتهت صلاحية بعضها، فيما نجت أخرى من فخّ الروتين وسلكت طريق التطوّر. على الرغم من بروز مواقع عدة خلال السنوات الماضية، إلا أنّ ما لمع منها لا يتعدّى عدد أصابع اليد الواحدة. فالمنصات التي استقطبت العدد الأكبر من «المستخدمين الأوفياء» (loyal users) هي فيسبوك، تويتر وإنستغرام. اعتمدت هذه المواقع على التفاعل من خلال الكلمات إلى أن ظهر «کلوب هاوس»، وبدأ ينافس معظم شبكات السوشال ميديا.انطلق «کلوب هاوس» في نيسان (أبريل) 2020، بُعيد بدء جائحة كورونا حول العالم. إلّا أنّ صيته ذاع في لبنان والعالم العربي في الفترة الممتدة بين أواخر كانون الثاني (يناير) وأوائل شباط (فبراير) 2021، حين وجد الناس أنفسهم عالقين في منازلهم يقتلهم الملل.
الصوت هو المحرّك الأساسي في «كلوب هاوس»، إذ تتوزّع الدردشات الصوتية على غرف تنقسم إلى ثلاثة أنواع: العامة (متاحة للجميع)، الاجتماعية (متاحة لمتابعي من يدير الغرفة) والخاصة (محصورة بالمدعوّين).
أحمد رحمة ـ تركيا

ومن أسباب رواج التطبيق هو هامش الحرية الذي يوفّره لمستخدميه لنقاش مواضيع مختلفة من دون رقابة أو قيود، فضلاً عن أنّ المشاركات الصوتية بالمبدأ لا تُحفظ، بل تختفي بخروج المشارك من الندوة الافتراضية. على الرغم من ذلك، يمكن تسجيل المحادثات بوسائل خارجية، كما أن بعضهم شكا أنّ التطبيق لا يفعل الكثير لـ «منع انتشار خطاب الكراهية أو حملات التنمّر». علاوة على ذلك، أثارت طريقة الاشتراك في التطبيق تساؤلات تتعلّق بخصوصية البيانات وعملية جمعها. في هذا السياق، اكتشف باحثون من «جامعة ستانفورد» نقاط ضعف في بنية Club House التحتية يمكن أن تتيح للسلطات مثلاً الوصول إلى بياناته، ما دفع الشركة إلى التعهّد بتحسين الأمن. ومما لا شكّ فيه أنّه سيكون أحد أكبر تحديات التطبيق، مع نموّه المطّرد، هو تجنّب أخطاء الخصوصية وإدارة المحتوى نفسها التي ارتكبها أقرانه العمالقة كفيسبوك وتويتر.
في البداية، كان التطبيق ممتعاً حين كان العدد لا يزال محدوداً أشبه بصالون أو مقهى يلمّ شمل أصدقاء مقرّبين يمرحون ويتناقشون لتمرير الوقت والتعرّف إلى أشخاص من دول أخرى، قبل أن يجذب رجال السياسة والاقتصاد والثقافة والتكنولوجيا والأعمال...
لبنانياً، كان يجتمع مستخدمو «كلوب هاوس» في بدء الأمر في نادي «قهوة اللبنانيين» للناشط عباس زهري، و«عالطريقة اللبنانية» للإعلامي عباس زلزلي، بالإضافة إلى محمد شمس الدين، حسين شمص، ولفترة محدودة كريستال عسّاف، قبل أن يبصر «التهابات وطنية» النور أخيراً. كان «قهوة اللبنانيين» أوّل الأندية التي تستقبل شخصيات سياسية، إعلامية ومؤثّرة في الفضاء الافتراضي، لتتفاعل مع الحضور، تلاها «عالطريقة اللبنانية»، فيما أبقى «التهابات وطنية» على مفهوم المرح والتعارف، حتى إنّه منع الحديث في السياسة والدين. خطوة عمّمها العضو الأحبّ على قلوب الجميع: «المُفتي» الشهير على تويتر أصلاً.
موسم الانتخابات سيكون حامياً على التطبيق


لم يدم شهر العسل «الكلوب هاوسي» طويلاً. راحت الأحزاب السياسية تستعمل التطبيق لتمرير أجنداتها وتسويق نفسها ونقل التوتّر الذي يحاول روّادها الهروب منه. مع تطوّر Club House، استغلّت الأحزاب أو مناصروها خاصيات كخلق النوادي واستقبال شخصيات سياسية وإعلامية لشدّ العصب السياسي بالطرق كافة، فاستحال التطبيق ساحة حرب ومساحة لتسجيل النقاط.
على سبيل المثال، يجتمع مناصرو «التيار الوطني الحرّ» يومياً في نادي «البيت بيتك» (غير رسمي) لمناقشة مواضيع تتنوّع بين الاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها، إلّا أنّها لا تخلو من الشحن السياسي لدى البعض. تارةً، يستقبلون كوادر التيار لبحث آخر التطورات وتحديد خطابهم السياسي، وطوراً مختصّين في مجالات عدّة تعني كل الأطراف وليس العونيين فقط.
لحزب «الكتائب» نادٍ اسمه Cedar Lounge ويحمل نادي «القوّات» عنوان LFPE فيما يلتمّ شمل جمهور المقاومة في «استراحة شباب المحور» وCuba Club و«لقاء مسؤول» (نادي حزب الله الرسمي) و«ملتقى الشباب اللبناني» وQawem Project II. علماً بأنّ الناديَيْن الأخيرَيْن ينوّعان برامجهما، إذ ينقلان حيناً مقابلات تلفزيونية وإذاعية، وأحياناً يتمترسان في الـ «روم» (الغرفة) لنشر أفكارهما إزاء القضية الفلسطينية وشنّ هجمات مرتدّة على غرف أخرى في المقلب السياسي الآخر.
هنا، من الضروري الإشارة إلى أنّه خلف كل نادٍ وغرفة، قيادة عامّة تدير المحاورين والمشاركين بشكلٍ أو بآخر، تراقب الحسابات لمعرفة من ورائها، الحقيقية منها والمزيّفة ومن يموّلها ويستعملها درعاً لنشر أخباره. بعضهم يبدون مدفوعين استخباراتياً لإشعال الفتنة بين اللبنانيين من خلال إنشاء غرف تتهجّم وتحرّض على المقاومة مقابل التمجيد بالسعودية ودول الخليج والولايات المتحدة. وقد برز هذا جلياً بعد الأزمة اللبنانية ــ الخليجية بعد تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي حول الحرب على اليمن. قضية مقدّم برنامج «من سيربح المليون» لا تزال تشغل Club House لغاية اليوم بأسلوب حرب الغرف والغرف المضادة الآنفة الذكر، وقد راحت ضحيتها حسابات عدّة تعرّضت للتبليغ من قبل جيش الاستخبارات. كيف ذلك؟ يدخل نحو 50 شخصاً إلى الغرفة المستهدفة ويبلّغون تزامناً عن الحساب أو الغرفة تحت الخانة نفسها (إرهاب، معلومات مغلوطة، إزعاج...) مع الرسالة نفسها، فتتدخّل خوارزمية «كلوب هاوس» وتقفل الحسابات والغرفة.
في الأمس القريب، برزت غرفتان لافتتان، إحداهما تستقبل ناشطين فلسطينيين منهم الشابة المقاومة منى الكرد وشقيقها محمد تحت عنوان «عاصفة رقمية: #أنقذوا_حي_الشيخ_جراح_فلسطيني في كلّ مكان»، شارك فيها شبان وشابات من لبنان. كما وقعت حادثة لافتة تمثّلت في فضح شخص يدعى إيهاب عدلان يدّعي أنّه سوداني ويدعم الشعب اليمني ويهاجم السعودية بأسلوب فكاهي، ليتبيّن لاحقاً أنّه يحشد الجماهير ثمّ يهاجم القضية الفلسطينية ويؤكد بأنّ «أرض فلسطين لليهود»، ثمّ يتهجّم على الديانات الأخرى.
يطول الحديث عن «كلوب هاوس» الذي لا تنتهي «المغامرات» في عوالمه، ولعلّ موسم الانتخابات الآتي سيتخذ من هذا التطبيق ساحة وميداناً سيشهد معارك لا تقلّ ضراوةً ربما عمّا يحصل في الفضاء الافتراضي.