لم تحظَ مؤلّفات الكاتب الأميركي المسرحي آي. آر. غورني (1930 - 2017)، بشهرةٍ كبيرة في المنطقة العربية، إسوةً بغيره من الكتّاب الأميركيّين المعاصرين كأوغست ويلسون، أو آرثر ميلر. في «رسائل حبّ» (1989)، تطبع المأساة، والمشاعر المعقدة، والرقة، والشوق، علاقة الحبيبين الأميركيّين ميليسا غاردنر وآندرو لاد جونيور، في خمسينيّات القرن الماضي. اليوم، يجسّد الشخصيّتين، الممّثلان اللبنانيّان جوزيان بولس، ونديم شمّاس، على خشبة «مونو»، في مسرحيّة تحمل العنوان نفسه، من إخراج لينا أبيض. في ما يخصّ حبكة النّص، تبرز «ميليسّا»، كشخصيّة قوية، ثائرة على المجتمع الأميركي المنغمس في سياسات الحزب الجمهوري، من حيث أتى حبيبها آندرو لاد جونيور، الذي كان يحضّره والده للعمل السياسي والحزبي. يتعذّر ارتباط الحبيبَين الأميركيين، بعد مراسلات بدأت منذ الطفولة. يتزوّج كلّ منهما، وفي خمسينات العمر، يلتقيان من جديد، بعد انفصال ميليسا عن زوجها، وبعدما أصبح آندرو عضواً في الكونغرس. يتبيّن أنّ العمر فات، والخريف قد حلّ. «إذا ذهبت للطبيب النفسي، سأحكي له عنك؟» يكتب آندرو لميليسا، التي تدخل في صراعات سيكولوجية، تدفعها في نهاية المطاف، إلى الانتحار. من هنا يبدأ سرد الأحداث في مسرحية غورني. بعد موتها، يزور أندرو، بيت حبيبته، ويقرأ «رسائل الغرام»، برفقة روحها، التي تحوم في أرجاء المنزل. يستذكر الطموحات، والخيبات، والانكسارات، ولحظات الحب التي تناثرت، ولم يعد ممكناً عيشها.
لا يأتي العرض على خشبة «مونو»، في تساوق مع الزمن والمكان الحاليّين، بل هو منسلخٌ عمّا يعيشه الجمهور، غير مندرج تحت أي ملابسات أو إيديولوجيات راهنة. لا يعني ذلك أنَّ عرض لينا أبيض يُقدم تحت إطار نظرية «الفن للفن»، إلّا أن السؤال: لماذا لم يقدَّم «رسائل حب» وفق منظور إخراجي معاصر؟ هل مهمة المخرج في عصرنا هذا، أن يكون حريصاً ودقيقاً في تجسيد تفاصيل النص واستحضاره؟ هل من الضروري، إعادة بناء الديكورات المسرحيّة التي تحاكي أميركا الخمسينيات؟ لما لا تُقدّم هذه النصوص الأميركية وفق رؤى مسرحية معاصرة، تحاكي انغماس الشعوب في التواصل عبر التقنيّات الإلكترونية، بعيداً عن رسائل الحب الكلاسيكية؟ تبقى هذه مجرّد أفكار.
العرض مقتبس من نصّ الكاتب الأميركي المسرحي آي. آر. غورني


تدفع أبيض النص الأميركي، باتجاه إخراجي كلاسيكي، جمالي، فقير، بعيدٍ عن القراءات المسرحية. إذ إنَّ هذا النص تحديداً، قُدم حول العالم على شكل القراءات «التي لم تستهوِ شعوب منطقتنا بعد» وفق ما تشير لينا أبيض. إخراجياً، تمّ العمل على تفكيك الشخصيّات وتحليلها، مما حتّم إخراجاً يفرض عدم اللّقاء الجسدي بين الحبيبين. على سبيل المثال، لا ينظر الممثّلان إلى بعضهما طيلة العرض. لا تلمس ميليسا أي عنصر من السينوغرافيا المسرحية الدافئة. موسيقيّاً، يُضيف الساكسفون أجواءً رومانسية، على الحقبة الزمنيّة التي يجسّدها العرض. يقوم العازف ناريغ كارابتيان، بعزف الموسيقى الحيّة، وينشل قراءة الرسائل من الرتابة الأدبية، خاصةً أنه لم يتم حذف أي مقطع من النص المسرحي الأصلي، ويأخذها إلى مستوى جمالي وفني.
على صعيد آخر، لا يمكن تحييد العاملات والعاملين في الفن، عن معاناة القاطنين في المدينة. «للمفارقة، بات إنتاج وعرض مسرحيات في هذا الوقت، ضرباً من الجنون» تقول لينا أبيض، التي تؤكد أنَّ عرض مسرحيتها سيكون على مدى ليالٍ متتالية تمتد من الأربعاء إلى الأحد، على مسرح «مونو» ابتداءً من 9 أيلول. أكثر ما يثير الدهشة، أن النص سيُقدم باللغة الفرنسية من دون ترجمة إلى العربية. تراهن لينا، على الجمهور الفرنكفوني في لبنان. تجاربها السابقة في تقديم مسرحيات بلغة أجنبية، استقطبت الجمهور. لكن، ألم يكن من الأفضل اليوم، مع شحّ العروض في بيروت، أن تعمل على جذب أكبر عددٍ من الجمهور، وعدم حصره بالفرنكفونيّين؟ «العمل بدأ تحضيره منذ ما قبل الجائحة، وتدهور الوضع المعيشي، حتى أنَّ القراءات الأولى بدأت عبر منصة «زوم»، مع الممثلين». في هذا السياق، تؤكد أبيض أنَّ من جملة الأهداف التي كانت منوية، تعريف الجمهور على نصٍّ غير مألوف لدى الجمهور اللبناني. استناداً إلى ذلك، يمكن وضع عرض Love Letters في سياق مقاومة التحديّات، وأخذ موقف فني ــ سياسي يتمثل في العمل على إنقاذ المسرح اللبناني من التلاشي، في أصعب مرحلةٍ يمرّ بها.
المسرحية التي قُدِّمت في عدد من الولايات الأميركية، وعلى خشبات «برودواي» في نيويورك، و«كانن» في بيفرلي هيلز، و«هيرشي» في بنسلفانيا، تُقدم اليوم على خشبة «مونو» في بيروت. أكثر ما يمكن الإشادة به في هذا العرض، هو نفض الغبار عن نصوص غير معروفة كثيراً في المنطقة. خطوة جيدة، لو استكملتها لينا أبيض فقط، بترجمة النص إلى اللغة العربية، ليتعرف الجمهور اللبناني، من كافة التوجهات، على رائعة آي. آر. غورني الحميمية.

Love Letters: بدءاً من 9 أيلول (سبتمبر) حتى 3 تشرين الأول (أكتوبر) على خشبة «مسرح مونو».