سامانثا، لورا، أتزلار، آنا، إرنستو، غيل، فانيسا وكريستيان معذبون. السبب: معايير جسدية خارقة مختلفة عما يُعتبر «جميلاً» اجتماعياً. سامانثا، تعيش مع أخيها، فتحة الشرج حلّت مكان فمها والعكس كذلك. لورا، بائعة هوى، لا عيون لديها. أتزلار، عجوز كئيبة، تعاني من الوزن الزائد. آنا، شابة، تعاني من تشوه في الوجه. إرنستو، حبيب آنا الذي تخونه. غيل، تحبّه آنا وتخون حبيبها معه، وجهه وجسده محروقان. فانيسا، تعاني من عجز نمو غضروفي، تحلم بأن تكون أماً. كريستيان يكره قدميه، يريد بترهما.بعض التشوّهات مبالغ فيها وغير واقعية، البعض الآخر نراه في الحياة الطبيعية. «جلود» الفيلم الطويل الأول للمخرج الإسباني إدواردو كازانوفا، يتتبّع تجارب الأشخاص الذين يشكّل مظهرهم الخارجي أبرز معوقاتهم في الحياة. تتقاطع حياة هؤلاء بحكم الأوضاع المتشابهة. تتولّد بالتالي قصص تجمعها الفرادة والغرابة في آن، مشاكلُ لم نعهدها وحواجز لم نألفها. إنها إحدى أكثر التجارب العويصة، غير المألوفة والمبهمة التي قدمتها السينما الإسبانية. كازانوفا بتجربته الإخراجية يذكّرنا بأفلام تود سولودز وجون ووتر، بل يعيدنا إلى أول أفلام ديفيد لينش (Eraserhead – 1977) مع لمسة من سينما الجيالو الإيطالية بلون زهري.

يذكّرنا شريطه «جلود» بأول أفلام ديفيد لينش

الفيلم قد يجعلنا نشعر ببعضٍ بعدم الراحة، إلّا أننا لن نطفئ الشاشة، بل سنبقى في أماكننا رغم مشاعر الانزعاج، نسترق النظر إرضاءً لفضولنا، نستمتع بعض الشيء بتطفلنا على هذه الحالات الغريبة، على الوجوه التي تختبئ خلف الأقنعة والتشوهات. أفلام كثيرة حكت عن المختلفين، عن العنصرية ورهاب المثلية وكل أشكال التمييز لأسباب اجتماعية، دينية.. «جلود» تحدّث عن التمييز تجاه مَن يعانون من تشوهات خلقية أو عيوب جسمية أو درجات جمال أقل نسبياً، عبر حبكة ميلودرامية مع قليل من الكوميديا السوداء.
أن نتقلّب في مقعد غير مريح، هذه هي الغاية. أن نجبر أنفسنا على إسقاط الشيء على حياتنا، أن نخاف على وجوهنا وأيدينا لا بل مؤخراتنا، أن نشيح بأنظارنا خجلين، أن نشعر بنفور غير عادل مما هو غريب، وأن تؤنبنا ضمائرنا لأننا ننبذ الاختلاف. من المؤكّد، أننا سنشعر بكثير من الذنب، بسبب مشاعرنا، بسبب إشاحتنا بأنظارنا وبسبب البسمة التي قد تعلو وجوهنا. هذه هي السينما تخلق مساحات من المشاعر المتناقضة، الشفقة والحزن والتعاطف، ثمّ الضحك في مواقف يصعب فيها الضحك إلّا أمام الشاشة. هو تحدٍ للمخرج، أكثر من مشاهديه، في كيفية إجبارنا على وضع المفاهيم والقيم الأخلاقية جانباً. هي المتعة التي تتجاوز المنطق العقلي والتعاطف التقليدي، إلى المشاعر التلقائية، المخجلة أحياناً كثيرة، والتي تمنحنا فرصة لتغذية «الوغد» الكامن في كلٍ منا.

* Skins على نتفليكس

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا