لم يكن سهلاً على أيّ كاتب سوري أن يخترق أسوار شركات الإنتاج اللبنانية والعربية، في زمن الحرب ومقاطعة الشام بذريعة الجنسية. وكان شبه حلم لصانع نصّ تلفزيوني، أن يملك ترف فرض مشروعه، الذي يستوفي الشروط الفنية، والمعايير المطلوبة جماهيرياً. لكن السيناريست السورية نور الشيشكلي تمكّنت من ذلك على مدار وقت طويل. ربما مرّت سنون عليها لم تكن تملك فرصة صنع فنجان قهوتها بنفسها. كلّ ما كانت تفعله هو الكتابة. هكذا، أنجزت عدداً كبيراً من المسلسلات، بعضها حصد جماهيرية مطلقة مثل «علاقات خاصة» (إخراج رشا شربتجي)، وآخر كان مطروحاً للتداول والبحث النقدي مع رجحان الكفة لصالحها في الغالب مثلما حصل في مسلسلها «مذكّرات عشيقة سابقة» (إخراج هشام شربتجي) وتجارب أخرى لم تلقَ النجاح! ورغم الحملات الصحافية اللاذعة التي تعرّضت لها، إلا أنّها لم تقطع شعرة معاوية مع صاحبة الجلالة، لإيمانها بأنها في اللحظة التي تعرّضت فيها لظلم مجحف، لم يرفع عنها البأس سوى السلطة الرابعة. لذا باتت تحتال على مسألة تعرّضها لنقد قاسٍ، وتجيّره لصالحها في يومياتها، كأن تسخر من نفسها مثلاً عندما يعاندها الحظ في لعبة ورق وتقول: «أشعر كأنني في مشوار كتابة جزء ثان من مسلسل «جريمة شغف»» في إشارة إلى ما كابده هذا العمل من ظروف سيئة وتهكّم إعلامي وشراسة نقدية!
نور الشيشكلي: القضايا الشائكة تفرض على الكاتب توخّي الحذر وفي الوقت عينه التحلّي بالجرأة

اليوم كما حال سنواتها السابقة، تنشغل كاتبة «صبايا» في أكثر من عمل. الأوّل هو مسلسل «ضحايا حلال» (إخراج أحمد مدحت- لصالح منصّة «شاهد») والثاني مسلسل «الميراث» (إخراج كريستين ميليك وإندرا بوز وتامر بسيوني وعبد الله الجنيبي) انطلق عرضه مطلع الشهر على قناة mbc1. في حديثها مع «الأخبار»، تقول نور الشيشكلي: ««ضحايا حلال» مسلسل عربي يحاكي يوميات شخصيات سعودية وسورية ومغربية. الحكاية مؤلّفة من عشر حلقات تنتجها شركة «الصدف للإنتاج الفني» (حسن عسيري) يتناول قضية حساسة وجريئة في المجتمع السعودي على وجه الخصوص، حتى الآن يدور خلاف دائم حولها، كونها تخصّ المرأة السعودية والزواج وفقاً لشروط خاصة. لذا يمكن القول بأن بطولة العمل تذهب لصالح نساء سعوديات عشن القصص بشكلها الحقيقي واشتباك عنيف مع الواقع». وعن خصوصية العمل لمنصّة إلكترونية، تجيب: «كنت فعلاً بحاجة إلى منبر سقفه الرقابي مرتفع أكثر من التلفزيون». علماً أنّه من المتوقّع عرض العمل قبل رمضان على مصنة «شاهد» بشكل حصري.
من ناحية ثانية، تشرح الكاتبة السورية على هامش هذه التجربة التي استغرقت كتابتها حوالى تسعة أشهر: «إن القضايا الشائكة تفرض على الكاتب توخّي الحذر وفي الوقت عينه التحلّي بالجرأة، وهذه معادلة صعبة للغاية لأنها تجمع نقيضَين. كنت أجرّب كل الوقت أن يكون المشروع داعياً للتغيير، ويتمكّن من إنقاذ ضحية واحدة على الأقل». إذاً يبدو بأنه رغم حرص كاتبته على الاقتصاد في الحديث عن تفاصيل حكايته، يتناول المسلسل نماذج نسائية سعودية واقعية حولتها المبرّرات الشرعية أي الزواج إلى ضحايا حقيقية!
أما عن مسلسل «الميراث»، فتقول إنه «حكاية مختلفة كونه ينتمي إلى نوع السوب أوبرا وهو نوع قائم على عدد طويل من الحلقات يستمر لسنوات طويلة. وهناك أعمال بدأت منذ سنة 1970 وما زالت مستمرة حتى اليوم يبلغ عدد حلقاتها الآلاف، ويصل فيها المشاهد إلى حالة من الارتباط العاطفي بشخصيات العمل، كما يصبح بمثابة شريك في الحكاية».
ينتمي مسلسل «الميراث» إلى نوع السوب أوبرا


طريقة كتابة هذا النوع من الأعمال لها قواعد وشروط مختلفة عن الأعمال العادية. لذا تشرح الشيشكلي رحلة إنجاز هذا العمل على الورق بالقول: «أخذنا قواعد كتابة السوب أوبرا من الكاتب البريطاني توني جوردن الشهير بهذه الأعمال، وقد حصد من خلالها جوائز عالمية عديدة، وطبّقناها على الواقع العربي. كنا فريق كتابة بقيادة السيناريست مازن طه من بينهم ثائر العكل وجسكار لحّو وآخرون، فيما انحصرت مهمتي بـ «الستوري لاينر» يعني المسؤولية عن القصص والبناء الدرامي والضبط الزمني للحكاية والأحداث. بدأنا المشروع قبل سنة كاملة من دون توقّف واستغرقنا وقتاً طويلاً، حتى تبلورت حكاية وتسلسلت أحداثها وبُنيت شخصيات ببعدها النفسي والاجتماعي. ثم شرعنا بكتابة الحلقات وفق آلية السوب أوبرا التي تسير بشكل يومي مع الأحداث التي تشهدها المنطقة. القوانين، المناسبات، جداول المدارس... وأشياء كثيرة كانت موضوعة أمامنا بتواريخها ودلالاتها الحقيقية ويتم استخدامها في المسلسل بمعنى أن القصة توظّف الأحداث الواقعية التي تمر في الحياة». أما عن طريقة اختيار أبطال العمل، فتوضح نور بأن مثل هذه الأعمال يعتمد على الوجوه الجديدة التي باشرت التدريب قبل شهور من التصوير.
بالنسبة إلى صاحبة فكرة مسلسل «الرحلة» (إخراج حسام علي) لا تنتهي مهمتها بعد إقفال الورق، بل تواكب التصوير والمونتاج وتظلّ حاضرة حتى انتهاء التصوير خاصة إذا بدأ التصوير قبل أن تنتهي الكتابة في مثل تجربة «الميراث»، فيما ترفع شعاراً دائماً بأن الحياة تجربة مفتوحة على الاحتمالات وأوّلها التعلّم من كل تفصيل وفي كلّ المهن!