في بداية شهر تموز (يوليو) الحالي ودّع «شباب توك» مشاهدي قناة «دويتشه فيله» الألمانية الناطقة بالعربية بعد ثماني سنوات قدّم خلالها تجربة جذبت الجمهور العربي. برنامج حواري ــ تفاعلي تفرّد بطروحات جريئة ومواضيع تعدّ «تابوهات» في بلادنا المتخمة بالمشاكل. شخصية مقدّمه اللبناني جعفر عبد الكريم (1981) ساهمت في تشكيل روح البرنامج الديناميكية القائمة على «الحوار»، فيما لعبت مواقع التواصل الاجتماعي دوراً أساسياً في عملية التواصل مع الناس إلى جانب الجولات والتقارير الميدانية من مختلف البلدان العربية.بعد فترة من التشويق عبر السوشال ميديا شملت استمزاج آراء المتابعين، أطلّ الصحافي المولود في ليبيريا أمس الثلاثاء في الحلقة الأولى من برنامجه الجديد «جعفر توك». البداية مع موضوع قديم ــ راهن هو «تعدّد الزوجات، شرع الله أم انتهاك للمرأة؟»، حيث انقسمت الآراء بين من يرفض الموضوع ويعتبره انتهاكاً لحقوق المرأة من جهة، وبين من يقبله ويراه حقاً أصيلاً في الشريعة الإسلامية من جهة أخرى. الضيوف كانوا: الكاتبة والناشطة الاجتماعية المصرية رانيا هاشم، والناشطة الحقوقية العراقية موج الدراجي، والمحامي السعودي المتزوّج من ثلاث سيدات يوسف القعيط، ومدير عام حوزة الإمام السجّاد العلميّة في لبنان الشيخ محمد علي العاملي، والمغربية التي عانت من الموضوع بشرى المعاد، وتاجر السيارات اللبناني المتزوّج من ثلاث سيدات بلال حرفوش. أما الجمهور الحاضر في أحد استديوات منطقة الحازمية اللبنانية، فتألّف من 150 شخصاً شاركوا كعنصر مكمّل للنقاش بالتصويت ومحاورة الضيوف.

جعفر عبد الكريم: أنا متمسّك بحرّيتي كصحافي

البرنامج الوليد هو «امتداد» لرحلة «شباب توك» التي بدأت بعد ما يسمّى بـ «الربيع العربي»، ويتخذ من #الاختلاف_بداية_الحوار شعاراً له. قبل الغوص في تفاصيل البرنامج، كان من البديهي الاستفسار عن الاسم الذي بات مرتبطاً مباشرة باسم المقدّم وينمّ ربّما عن شيء من الغرور؟! حملنا هذا السؤال وغيره إلى عبد الكريم الذي يؤكد أنّ الاسم الذي وقع الاختيار عليه لم يكن المفضّل بالنسبة إليه، لكنّ تم اقتراحه من قبل الوكالة الإعلانية التي تعمل مع DW كون «الناس يربطون بعض الأمور بي شخصياً، لا سيّما أنّني أحرص دائماً على البقاء قريباً منهم في عملي والنزول على الأرض لقياس نبض الشارع. إنّها مجرّد طريقة للتسويق». ويوضح في آن أنّ «المحافظة على صحافة حرّة ومستقلّة هو الأساس بنظري. المسؤولية أكبر والتأنّي ضروري لأنّ البرنامج صار متصلاً أكثر بي. الأهم أن أقدّم عملاً صحافياً جيّداً، أن أبقى صحافياً ولا أتحوّل إلى نجم، هذا هو هاجسي».
في سياق الحديث عن الاختلاف بين برنامجَيْه القديم والجديد، يقول عبد الكريم إنّ السؤال اليوم ليس «ما إذا كان هناك حوار، إنّما إلى أي مدى يمكن له أنو يكون منوّعاً وشاملاً للجميع بغض النظر عن الجنسية واللون والميول الجنسية والطبقة الاجتماعية والمستوى الاقتصادي». لكن ألا تقع مصطلحات الحوار والاختلاف والتنوّع في خانة «التريند» اليوم؟ يسارع إلى الإجابة بأنّ «هناك مشكلة حقيقية بتقبّل الآخر في منطقتنا، مما يؤدي إلى مشاكل عدّة. هذه النتيجة التي توصّلنا إليها بعد جولاتنا المتواصلة على البلدان العربية في السنوات المنصرمة. لماذا لا أستطيع أن أكون الشخص الذي أريده؟ هذا السؤال الجوهري الذي يحرّك البرنامج الذي يطرح مواضيع (من بينها سياسية) من صلب منطقة يشكّل فيها الاختلاف عاملاً للإلغاء لا للتقبّل والاحتواء». نسأله إلى أي مدى يقدر برنامج تلفزيوني على القيام بهذه المهمّة؟ «تجربة «شباب توك» أثبتت أنّ القدرة على التغيير موجودة وإن كانت عملية طويلة الأمد. لمسنا ذلك في جيل كامل بات يخبرنا بأنّه بات يفهم أنّه من غير الضروري أن يغيّر الآخر الذي يخالفه الرأي ويمكنه تقبّله كما هو. في النهاية، نحن نقوم بما نراه مناسباً ونكون منصّة للتغيير فيما يبقى القرار للناس. فلطالما كان هدفنا على الأقل حثّهم على التفكير».
فريق تحرير «جعفر توك» (بالشراكة مع تلفزيون «الجديد» في لبنان) المؤلّف من ستة أشخاص من جنسيات مختلفة، يحاول اختيار ضيوف منوّعين، ينقسم بين الشباب والفئات العمرية الأكبر سنّاً. أما المواضيع التي سنشاهدها في الحلقات المقبلة، فبضعها جديد وملحّ وبعضها الآخر طُرح سابقاً في «شباب توك» لكنّه اليوم سيناقش في قالب ووجهات نظر مختلفين.
باختصار، تبدأ الحلقة بتعريف الموضوع وتصويت الجمهور في الاستديو، قبل الانتقال إلى فقرة الحوار بين الضيوف (لا تتعدّى 10 دقائق)، ثم يحين دور الحديث الشخصي مع أحد الذين عاشوا التجربة، فاستكمال الحوار. وهناك أيضاً فقرة المرآة التي يقف أمامها أحد المتحاورين الذي يختاره المشاركون للإجابة عن أسئلة شخصية. هي أشبه بـ «لحظة اعتراف» سيصوّت في نهايتها الجمهور ويعطي رأيه في مدى الصدق، فضلاً عن فقرات «مع وضد» سريعة للضيوف، وتقارير مصوّرة. يشدّد عبد الكريم بأنّ آراءه الشخصية لن تؤثّر على سياق الحلقات، وإن كانت هناك أمور لا يمكن المساومة عليها تتعلق بـ «حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير والصحافة... إنّها موجودة في الحمض النووي لكل إنسان».
قبل وصول المقابلة إلى نهايتها، كان لا بدّ من سؤال عبد الكريم عن مدى تأثير سياسة المحطة التي يعمل لديها منذ أكثر من عقد على طريقة عمله ومسار برنامجه؟ «طالما قناتي حرّة فأنا حرّ في عملي. أنا ألقى الدعم الكامل منذ سنوات خصوصاً في مواضيع الحريات... الإحساس بالحرية هو كل شيء». قد يبدو كلاماً رومانسياً برأي كثيرين في عالم نعرف جميعاً تداخل الإعلام بالسياسة والاقتصاد فيه، لكنّ الأسابيع المقبلة ستكون شاهدة على مستوى التجربة الجديدة التي ستكون لنا عودة نقدية إليها لاحقاً.

* «جعفر توك»: كل ثلاثاء ــ التاسعة مساءً بتوقيت بيروت على «دويتشه فيله عربية»