سنبدأ هذه المقالة من مكان آخر. هي تخصّ أمسيات بيانو مرتقبة لعازف روسي يدعى إيغور غريشين، سنتناولها هنا، لكن بعد محاولة الإجابة عن سؤالٍ محيِّر: لماذا يأتي هذا الرجل إلى لبنان اليوم؟ فالوضع الأمني خطِر لدرجة أن لا أحد يفكّر في زيارة لبنان. والخطر غير محصور بمنطقة معيّنة لتفاديها. وإذا كانت طرابلس مثلاً، أخطر نسبياً من بيروت، فالمعطى التالي يلغي هذه الملاحظة. إيغور غريشين هو عازف بيانو كلاسيكي يقدّم بدءاً من الليلة أربع أمسيات، إحداها في طرابلس.
عموماً، عندما نقول جرأة (حدّ التهوّر) وثورة ومغامرات، لا نقول موسيقى كلاسيكية بل روك أو راب مثلاً. الشاب مولود عام 1983، أي أنه في بداية مشواره ولديه حتماً ما يخسره، لأنّه تحديداً عازف بيانو. الثلاثون في الراب هو عمر التقاعد؛ لكن في الكلاسيك هو آخِر البداية. وأخيراً، فأمسياته الأربع مجانية، بمعنى أن لا ضغوط من المنظمين (أو من مدير أعماله) عليه بسبب خسارة محتملة قد يتعرضون لها في حال إلغاء الزيارة، أو حتى إحدى محطاتها. وإذا أضفنا إلى كل ذلك، أولاً، تعبه لبلوغ هذا المستوى التقني والـ«ما بعد تقني» في العزف، ثانياً، إبداع من سيؤدي أعمالهم، يصبح من واجبنا ملاقاته إلى إحدى هذه الأمسيات.
استناداً إلى المعطيات الآنفة، يستحق منّا إيغور غريشين تحيّةً استثنائية مقابل شغفه بالموسيقى ورغبته الإنسانية في إيصالها إلى الناس، «ناسنا» الذين ربما يرى أنهم أحوَج إليها من «ناسه».
إذاً بدعوة من «المركز الثقافي الألماني»، يقدِّم إيغور غريشين (يعيش في ألمانيا حالياً) أربع أمسيات. الليلة في جونية («المدرسة اللبنانية _ الألمانية»/ 8 مساءً)، بعد غدٍ في بيروت («الجامعة الأميركية» _ أسمبلي هول/ 8 مساءً)، الاثنين المقبل في جونية ثانيةً (في المكان نفسه/ 10:30 صباحاً)، وأخيراً الثلاثاء المقبل في طرابلس («مؤسسة الصفدي»/ 7 مساءً). على البرنامج السوناتة السادسة (1940) للروسي بروكوفييف، وهي الأولى من سلسلة السوناتات الثلاث التي تعود إلى فترة الحرب العالمية الثانية. من عند بيتهوفن، اختار غريشين السوناتة رقم 26 (1809/1810) المسماة «الوداع». تضاهي هذه السوناتة، جمالاً وصعوبة، أكبر سوناتات بيتهوفن، أي تلك التي تحمل اسماً («ضوء القمر»، «العاصفة»، «هامركلافير»، «أباسيوناتا»، «فالدشتاين»...)، لكنها أقل انتشاراً منها. على البرنامج أيضاً، عمل سوداوي وغامض كمؤلفه الشهير سكريابين، أحد أهم رموز الموسيقى، والبيانو تحديداً، في روسيا ما قبل الثورة. إنها الـ«فانتازيا» التي كما يدلّ اسمها، تتبع مساراً مزاجياً في التأليف، أي متحرِّر من القواعد على مستوى البنية. إضافة إلى هذه الأعمال، يؤدي غريشين نسخة منقولة للبيانو (توقيع عازف البيانو وقائد الأوركسترا الروسي مخائيل بلاتنيف) لعملٍ معروف هو موسيقى باليه «كسارة البندق» لتشايكوفسكي، وكذلك مقطوعتين للبيانو للمؤلف النروجي إدوارد غريغ.



Récital de piano: Igor Gryshyn: 20:00 مساء اليوم _ «المدرسة اللبنانية _ الألمانية» (جونية) _ للاستعلام: 01/350000