خلال السنوات الماضية، غابت عن سوريا أكاديميات متخصصة في تدريس الإخراج. لم يكن أمام المواهب الشابة لتعلم هذه المهنة أكاديمياً سوى السفر، أو الإفادة من التجارب العملية مع المخرجين المهمين. في الوقت الذي كان فيه المعهد العالي للفنون المسرحية يسهم في صقل المواهب التمثيلة الشابة وتمكينها، ووضعها في الطريق الصحيح، كان المخرجون السوريون المبتدئون يتعلمون من تجارب واقعية.
هكذا، أسهم المخرج المخضرم هيثم حقي، مثلاً، في تعليم الإخراج لمجموعة مخرجين شباب آنذاك، منهم سيف الدين السبيعي، والليث حجو، والمثنى صبح وآخرون. ومنذ فترة، أعلن وزير الثقافة السوري محمد الأحمد، نيته لإنشاء المعهد العالي للسينما في المبنى المحاذي لمبنى المعهد العالي للفنون المسرحية، على أن يدرّس في سنواته الأولى الإخراج والسيناريو. لكن القرار لم يوضع في حيّز التنفيذ حتى الآن، بخاصة أنه يحتاج إلى مرسوم جمهوري. لذا، ظل موضوع تعليم الإخراج رهن المبادرات المتواضعة وتوجهات الجامعات الخاصة التي لا تحقق الصدى المطلوب على مستوى الإنجاز النظري. لكن أخيراً، بادرت «المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي» بالتعاون مع «الأكاديمية السورية الدولية»، إلى إعلان بدء قبول طلبات الاشتراك في مسابقة الانتساب إلى «برنامج دبلوم الإخراج التلفزيوني والسينمائي» للعام الدراسي 2017/2018.

المنهج قائم على التطبيق النظري والعملي معاً


وبحسب الإعلان، يستمرّ البرنامج عامين دراسيين (18 شهراً) ويتضمن 1100 ساعة تدريبية، بالإضافة إلى 100 ساعة ورشات عمل، على أن تكون الشهادة مصدقة من وزارتي الإعلام والخارجية السوريتين. وقد اختصرت المؤسسة شروط القبول بأن يكون المتقدم حاصلاً على شهادة الثانوية العامة، وألّا يزيد عمره على 35 عاماً، على أن يخضع لمقابلة شفهية في الثقافة العامة. وفي حال نجاحه في الامتحان الشفهي، يتقدّم إلى ورشة عمل يُحكَم من خلالها على أفضل المتقدمين.
من جانبها، تؤكد المديرة العامة للمؤسسة الإعلامية ديانا جبور في حديثها معنا أنّ برنامج التدريب صُمِّم بما يتوافق مع الاحتياجات الدراسية والتدريبية في سوق العمل المحلية، بالاعتماد على المعيار المهني، على أن يكون التدريب يومياً من الأحد حتى الخميس، بحيث يمنح الطالب خبرة معرفية من خلال المنهج القائم على التطبيق النظري، والعملي في استوديوهات الأكاديمية، وفي مواقع تصوير حقيقية بغية تأمين المهارات الأساسية في هذا المجال. وتتوزع نسبة التعليم بين 30 في المئة للجانب المعرفي النظري و70 في المئة تذهب للحيّز العملي.
أما لجنة الامتحان والقبول، فستتوزع بين المخرجين باسل الخطيب، ورشا شربتجي والممثل غسان مسعود والإعلامية ديانا جبور، والأساتذة الجامعيين عمار الحامض، ورانيا الجبان، وسامر عمران، ونزار ميهوب، وسمير عثمان، إضافة إلى الممثلة مريم علي. وستُعتمَد مجموعة من المرجعيات والكتب المهمة كمناهج تدريبية مثل «نظرة المخرج» لجون أهارت، و«فكر المخرج ــ دليل عملي» لمايكل بلوم. وسيُطلَق الدبلوم من خلال مؤتمر صحافي يقام في 12 أيلول (سبتمبر) تعلن خلاله مواعيد فحص القبول، على أن تنطلق العملية التدريسية في الأول من تشرين الأول (أكتوبر).
من جانب آخر، ستعتمد المناهج التي تقدم للطلاب، على التدريب في نواحٍ عدة، بدءاً من ورشة عمل تمهيدية، مروراً بمبادئ الإخراج كنوع من الدراسة العميقة للطرق التي يتبعها المخرجون للتأثير في جماهيرهم، والحصول على ردود أفعال عاطفية منهم. وسيتعرّف الطلاب إلى أساسيات عمل المخرج، انطلاقاً من السيناريو والأفكار، وصولاً إلى مواقع الكاميرات والممثلين وتصميم موقع التصوير بشكل عام. كذلك سيدرسون مبادئ التصوير والإضاءة، بحيث يجري إطلاعهم على أنواع الكاميرات الحديثة والعدسات، ومعدات التصوير. ويُجري الطلاب تمرينات وتجارب تصوير، قبل الخوض في مفاهيم المونتاج الرقمي وآليته ونظرياته الأساسية وجوانبه التقنية، ثم يأخذون فكرة عن الإنتاج عموماً ومهارات قيادة الفريق، وتقنيات العمل مع الممثلين وأساليب كتابة السيناريو، ثم نظرة على أهم اتجاهات السينما العالمية مع مشاهدة نماذج من هذه الأفلام وطرحها للنقاش. كذلك، سيقدم البرنامج مدخلاً إلى الأفلام القصيرة وملخصاً موجزاً عن أهم المدارس والاتجاهات في السينما العالمية، إضافة إلى لمحة عن مبادئ الموسيقى التصويرية، وورشة عمل متقدمة للإنتاج. كذلك، يقدم مواد إضافية مثل مهارات التواصل الفعّال بحيث يتعرف الطالب من خلالها إلى مبادئ تطوير استراتيجيات التواصل الفعّال، بين الأفراد والمجموعات، ويُسلَّط الضوء على مهارات التواصل لخلق علاقات وثيقة والحفاظ عليها على المستويين الشخصي والمهني. كذلك، يقدم البرنامج مادة عن سياسات الإدارة، وتشمل اكتساب المهارات وتطويرها لحل المشكلات، واتخاذ القرارات والتخطيط وتفويض المهمات.