بيار أبي صعب مقالة إسحق لاؤور المنشورة في هذه الصفحة تسلّط الضوء على إشكاليّة خطيرة عنوانها: «الإسرائيلي التقدمي». البيان الذي أعلن قبل أسابيع صدور مجموعة «قصص مدن من الشرق الأوسط»، لجأ إلى التسمية، كمن يختبئ خلف «حصانة» أكيدة، أو يستنجد بتعويذة سحرية، لجعلنا نقبل بوجود إسرائيلي بين كتّاب الأنطولوجيا العرب («الأخبار» ــــ 25/10 و27/10/2008 ). حسناً لنستمع إلى هذا الكاتب التقدمي يدافع عن وجوده بيننا. يبدأ إسحق لاؤور من استهجان عبارة «وجدان المنطقة العربية» الواردة في مقالة نجوان درويش، فهو لا يعرف معناها، كذلك لا يعرف معنى «الوجدان اليهوديّ». من اللحظة الأولى يساوي الكاتب التقدمي بين شعبين «متناحرين» بصفته داعية سلام (كما يوازي بين الهويّة القوميّة والدين)، تاركاً مسافة نقديّة بينه وبين هويّته، معيباً ضمناً على مساجله العربي أنّه لا يحذو حذوه! إنّه سوء التفاهم المزمن مع بعض التقدميين على الضفّة الأخرى. هذا «التقدمي» يسقط من حسابه أن الشعوب الرازحة تحت وطأة الاستعمار، والتسلّط العسكري الاستيطاني، متمسكة بهويّتها ووجدانها الجماعي المهدّد... ولا يمكنه أن يفهم أن رفض وجود تل أبيب في كتاب عن المدن العربيّة، ليس إقصاءً عنصريّاً لليهود (!) بل رفض لسياسة خبيثة تريد أن تجعل الفرد العربي يقبل بإسرائيل كفكرة طبيعيّة (جغرافيّة، بيولوجيّة) ينبغي ترسيخها في وعيه ووجدانه، فيما هي عنوان لظلم تاريخي فظيع مطلوب إصلاحه بشكل جذري ومؤلم للغزاة!
يعتبر لاؤور مساجله العربي متعصّباً وانعزالياً، مكرّساً لـ«المنطق العنصريّ»، أما هو فيملك ترف التعالي عن أي انتماء، إنّه مواطن العالم، إنسان لذيذ، كوسموبوليتي من هذه المنطقة. ربّما، لكنه مهما فعل فسيظلّ ينتمي إلى معسكر الجلاد! ومن أبسط واجباته كـ«تقدّمي» متعاطف مع ضحايا دولته وجيشه، أن يتفهّم ظروفهم، لا أن يعطيهم دروساً في ضرورة تجاوز «العصبيّات». فليكتب اليوم ضدّ هذا الظلم المتصاعد. نعم، ليشهد ضدّه، ليقف ضدّه: هذه مهمّته الأولى إذا شاء أن يستحق مكانه إلى جانبنا حقّاً... في انتظار أن يأتي يوم نتساوى في الكتابة عن «مدننا»، ونتعامل كجيران طبيعيين لا تفرّق بينهم أنهار من الدم.