ندوة في الجامعة اللبنانية الأميركية عكست واقع الصحافيين الأجانب في بلد حافل بالأحداث، ومنطقة تغلي بالأزمات. المبادرة بحد ذاتها تستحق الاهتمام، لكن الإجابات جاءت غالباً مثالية وتبسيطيّة
صباح أيوب
«مَن يقرّر كيف يرانا العالم؟» سؤال «وجيه» طرحه طلاب الإعلام في «الجامعة اللبنانية الأميركية» واختاروا إجابة صحافيّة له، وهي «المراسلون القادمون من الخارج». على هذا الأساس، وتحت هذا العنوان، عقدت محاضرة طالبية ــــ إعلامية أمس بين طلاب الجامعة ومراسلي بعض أبرز الصحف والمجلات الأجنبية: أندرو لي باترز (مراسل مجلة «تايم» الأميركية)، ميتش بروثيرو (مصوّر صحافي وكاتب متعاون مع صحف ومجلات عدة، بينها Observer، و The National). وكان من المقرر أن يحضر روبرت وورث مراسل صحيفة «نيويورك تايمز» في الشرق الأوسط، لكنّه اعتذر عن عدم الحضور بسبب وجوده في الهند لتغطية أحداث مومباي.
مجموعة من الأسئلة حضّرها الطلاب وقدّموها للضيوف، وأخرى تتالت عفوياً وفتحت نقاشاً كان يستحق أكثر من ساعة ونصف الساعة نظراً إلى أهميته وتشعّبه. لمَ العمل مراسلاً خارجياً؟ لماذا لبنان والشرق الأوسط تحديداً؟ ما هي أبرز المخاطر والصعوبات؟ ماذا عن الموضوعية؟ الإرهاب؟ حزب الله... حماس؟ الصراع العربي ــــ الإسرائيلي؟ المسؤولية المهنية؟ الاستقلالية؟ الشهرة؟... تعددت المحاور، وتراكمت الاستفسارات والانتقادات، ولا سيما أنّ المراسلين الخارجيين هم، بالنسبة إلى القراء، «سفراء» صحفهم و... حتّى دولهم في بعض الأحيان. حاول الصحافيّّان الموجودان أن يفسّرا، قدر المستطاع، كيف يؤديان عملهما في بلد غريب، وكيف يواجهان الأزمات والمخاطر. ورغم أنّ إجاباتهما جاءت «تبسيطيّة» ومثالية في بعض الأحيان... إلا أنّها عكست واقع الصحافيين الأجانب في بلد حافل بالأحداث، ومنطقة تغلي بالأزمات. بدايةً، اعترف الإعلاميان بأنّ المساحة المتوافرة لإيجاد وظيفة أو عمل دائم في مهنة الصحافة، باتت ضيّقة، والمنافسة على أشدّها. لذا، بات العمل في مناطق الخطر والأحداث المتسارعة من العوامل التي تسهّل إيجاد الوظيفة. لكن الأهمّ، حسب كل من المراسلين، هو التخصص في مجال محدد، أو التعمق في قضية معيّنة، ما يقدم فرصة للتمايز عن الآخرين.
وبمعزل عما سبق، التقى المراسلان الأميركيان على أنّ «حبّ المهنة» هو، في النهاية، الدافع الوحيد الذي قد يدفع بالصحافي خارج بلده، معرّضاً حياته للخطر. وكشف باترز عن طريقته في افتراض قرّاء وهميين يكتب لهم فيجيب عن بعض تساؤلاتهم بطريقة تحاكي موروثهم الثقافي. أما بروثيرو، فلم يبدُ مهتماً بالقرّاء بقدر اهتمامه بصنع مقالة «ناجحة وفق المعايير المهنية». لكن، ماذا عن الموروث الثقافي والاجتماعي، والصور والأفكار المسبقة الموجودة عند كلّ من هذين المراسلين شخصياً؟ هنا يؤكّدان معاً أنّهما يسعيان جهدهما لـ«التجرّد من تلك الموروثات»، ويحاولان «قدر المستطاع عدم إظهارها في المقال».
لكن ادعاء الموضوعية والمهنية شيء، والواقع شيء آخر. هناك خيارات تفرض نفسها أحياناً على المراسل. هل يقف على الحياد أثناء تغطية حرب، أو يتعاطف مع المدنيين المستهدفين مثلاً؟ ماذا أيضاً عن الخلط بين التغطية الإخبارية، والتحقيق الاجتماعي، والتحليل السياسي؟ «لستُ صحافيّاً عربياً كي أتعامل عاطفياً مع القضايا العربية، كذلك لا يجب على الصحافيّين العرب أن يكونوا عرباً أثناء تأدية المهنة... فلنكن صحافيين فقط» قال بروثيرو الذي اعتذر أمس عن أحد مقالاته في حرب تموز 2006، مشيراً إلى أنّها كانت «عاطفية أكثر من اللزوم» (المقال بعنوان «عن أسطورة اسمها حزب الله يختبئ بين المدنيين»). هكذا إذاً؟ يمكننا أن نشهد على معاناة الضحيّة من دون أن نتعاطف معها؟ المراسل ليس إنساناً لديه قيم ومبادئ؟ أين الحدّ الفاصل بين «الحياد المهني» والتواطؤ غير المباشر مع المعتدي؟
«مقالة من ألف كلمة تستوجب وتتضمن ملايين القرارات: ماذا تحذف، ماذا تبقي، أي فكرة تبرز، أية أقوال تنقل...؟»، يلفت باترز، معترفاً بصعوبة كتابة مقالة من/ وعن بلد لم تولد فيه، مستدركاً أنّ «العمل الحقيقي لتحسين الأداء يكمن في مراكمة المعلومات عن البلد والمجتمع الذي تعمل فيه».
لكنّ كل الكلام عن الموضوعية والمهنية والصحافة للصحافة فقط، تزعزع عندما جاء طرح السؤال: «متى تستخدم كلمة إرهاب وإرهابي؟» و«كيف تتعاطى مع وضع متأزم ومعقّد سياسياً كلبنان؟». و«هل إسرائيل دولة معتدية؟»... حاول الصحافيّان تأكيد وجوب «تقديم مقالة صحيحة مهنياً فقط من دون التفتيش عن الأشرار والأخيار... فهي مضيعة للوقت!». وسئل أحد الصحافيّين: هل من الممكن أن تستخدم في مقالة لك عبارة «إسرائيل، الديموقراطية الوحيدة في العالم العربي» التي باتت شائعة في الصحافة الغربية؟ لكنّه فضّل عدم الإجابة!