عودة إلى فظائع النازيّة من خلال قصة شقيقين يهوديين: الأوّل مع السلام والثاني مع المقاومة. ماذا لو قمنا بإسقاط على الواقع العربي في مواجهة إسرائيل؟
زياد عبد الله
قفزَ دانيال كريغ من شخصيّة جيمس بوند ليستقرّ في غابات بيلاروسيا (روسيا البيضاء) ويتحوّل إلى مقاوم للنازيين. وجاء المخرج إدوارد زويك صاحب Blood Diamond ليقدّم جديده «التحدّي» Defiance، من قلب تلك الغابات... مقارباً مآسي اليهود خلال الحرب العالميّة الثانية بطريقة تختلف عن «عازف البيانو» (رومان بولانسكي) أو «قائمة شندلر» (ستيفن سبيلبرغ)، وغيرهما من الأفلام الكثيرة التي تناولت «الهولوكست»، مصوّرةً الضحية دوماً ككائن مغلوب على أمره، لا حول له ولا قوة.
في «التحدّي» نرى، لأوّل مرة في هوليوود، تمرّداً على دور الضحية اللصيق باليهودي. يقدّم الفيلم صراعاً بين شقيقين يهوديين أفلتا من الإبادة النازيّة، يقرّر الأول أنّه مع السلام، فيما ينحاز الثاني تماماً إلى خيار المقاومة، مؤكّداً أنّ النازيين لا يفهمون سوى لغة السلاح. وهذا الخطاب يغري تماماً بعمليّة إسقاط على واقعنا العربي في مواجهة الاستبداد الدموي الإسرائيلي، إذ يكفي استبدال كلمة يهودي بفلسطيني مثلاً، ونازي بإسرائيلي لنكون أمام قصّة يكرّرها التاريخ... لكن بالمقلوب، إذ تحوّلت الضحية إلى جلّاد! بالطبع، لم يتقصّد إدوارد زويك ولا كاتب السيناريو كلايتون فرومان مثل هذا الإسقاط على الراهن الفلسطيني والعربي... وإن بدا لكثير من اليهود الأرثوذكس، الذين استعدّوا سلفاً لاتّهام زويك بمعاداة السامية، أنّه مقصود، وخصوصاً أن الشريط نزل إلى الصالات الأميركية خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزّة.
الاعتراضات المذكورة ستكون مثاراً للحيرة لمَن شاهد الفيلم. في النهاية، يبقى الهدف تمجيد ملحمة بطولية يهوديّة، واستعادة لما لحق باليهود تستوفي كل مشاعر التعاطف، مع تأكيد الفيلم أنّ أحداثه مستمدّة من قصة وشخصيات حقيقية.
يبدأ «التحدّي» بالأبيض والأسود، كما لو أنّنا أمام صور وثائقية، لكن سرعان ما تتلوّن الصور، ونتابع مشاهد قتل الجنود النازيين لأهالي القرية... ونتعرّف إلى الإخوة بيلسكي الذين ينجون من القتل ويهربون إلى الغابات، بعدما فقدوا سائر أفراد العائلة في المجزرة التي ارتكبها النازيون. من البداية، تتضح الفوارق بين شخصية توفيا (دانيال كريغ) وزوس (ليف شرابير): الأول أكثر عقلانية، بينما الثاني راديكالي يريد الانتقام من قتلة أهله. ومع الأيام، يعثر توفيا وزوس ومعهما الأخ الأصغر ايسل (جايمي بيل) على ناجين آخرين من المجازر النازية. إلا أنّ زوس يرفض مساعدتهم، إذ يجدهم عائقاً أمام مخططاته لمقاومة النازيين، بينما يعارضه توفيا ويقوم ببناء مخيّم للاجئين يصل تعداد ساكنيه إلى 1200 لاجئ.
هنا يختار كلّ أخ طريقه الخاص، وخصوصاً بعد أن يشارك زوس في مهاجمة دورية نازية، فيجد أنّ الأمر عبثي لا يؤدي إلى شيء. هكذا يفترق توفيا عن زوس الذي يقرر الانضمام إلى الجيش الروسي والمشاركة في أعماله الحربية ضد الألمان. في ذلك يكمن صراع الفيلم الرئيس، وما بقي متروك لتعقّب خيار كلّ أخ على حدة. من جهة نتابع توفيا وإدارته لمخيم اللاجئين، وحجم المصاعب اليومية التي يتعامل معها بحكمة تستند إلى مبدأ أساسي هو أنّ البقاء على قيد الحياة أهم فعل مقاومة... أما زوس، فيواصل انتقامه بدأب تحت قيادة السوفيات.
في النهاية، سيحسم السلاح الخيارات، ومخيّم توفيا لن يكون بمنأى عن هجمات الجيش الألماني. سيضطر توفيا إلى المقاومة والاستماتة في حماية المخيّم. كما أن الروس لن يكونوا أخياراً، فسرعان ما يكتشف زوس خداعهم وعنصريتهم تجاهه ـــــ هذا من بديهيات هوليوود ! ـــــ ويلتقي الأخوان مجدداً عند خيار المقاومة، وينجحان في إنقاذ لاجئي المخيم ونقلهم إلى مكان آمن. تفاصيل كثيرة يصوّرها الفيلم: الجوع الذي يجتاح المخيم، علاقات الحب، النقاشات والتباينات... لكن يبقى أهم دافع لمشاهدته، أنّه يسلّط الضوء، ولو عن «غير قصد»، على المفارقة التاريخية التي سرعان ما تنقلب اليوم على المنطق الإسرائيلي... حين تطرح كلمة «مقاومة»!