خليل صويلح مقاربة أعمال أمين صالح، وفقاً لقراءة رشيد يحياوي لها في «السارد شاعراً» (دار فراديس ــــ البحرين) تنطوي على خيمياء ملتبسة. ذلك أنّ هذا الكاتب البحريني، لا يتوقف عند ضفاف إبداعية في تجنيس تجربته العابرة للأنواع. يعترف يحياوي خلال تفكيكه نصوص صالح بصعوبة القبض على تجنيس نهائي لكتابة زئبقية متحوّلة خارجة على المسار التقليدي. استراتيجية العنونة لدى أمين صالح ستراكم ألغازاً إضافية على المتن الداخلي. هي متشاكلة مع النصوص، حتى إن الفهرس يمكن قراءته كنصٍّ آخر لجهة التركيب والدلالة، والوعي النقدي الصارم الذي يشتغل إلى جانب اشتعال المخيّلة في مختبر الكتابة. يقول يحياوي «في لغة أمين صالح، تأكيد دائم على انطواء النص على المبهم والغامض، وعلى الخصيصة الانفتاحية لشكل التعبير». ويلفت الناقد المغربي إلى حضور مشبع للخطاب الإيروتيكي في نصوص صاحب «ترنيمة الحجرة الكونية» كمحصلة لمفهوم الكتابة لديه بوصفها فعلاً شبقياً «الكتابة في جوهر طبيعتها فعل جسدي/ جنسي. إنّه ولوج شبق وشهواني عنيف، داخل كينونة البشر والأشياء والأمكنة.. واللغة أيضاً». ويضيف موضحاً «الكتابة التحام حميمي

في نصوصه حضور طاغ للخطاب الإيروتيكي
حتى آخر عضلة وعصب، بالمرئي واللامرئي، بالمحسوس والخفي، بالظاهر والكامن، وكلما كان الجوهر أكثر عمقاً ومجهولية وغموضاً كان الاختراق أكثر انغماراً ووحدة وإشراقاً». هذا الاقتباس يبدو ملحاً في إضاءة كتابة أمين صالح ومقاصدها الجمالية، وحمولتها المعرفية لمتخيّل سردي يهدف إلى «كسر وتهديم الأحاديات، وتخطي نمطية الشكل» للوصول إلى نص خيميائي مصفّى عبر «انصهار اللغة والأشكال ورؤى العالم». نص «مدائح» سيكون منعطفاً في مغامرة صالح اللغوية. هذا النص الخارج عن التصنيف، لن يفارق الشعرية بل يرتطم بالشعر مباشرةً، وهو مدوّنة في مديح المرأة في صور مشهدية وسردية، تمزج الصوت والعذوبة والرائحة في متنٍ واحد. وإذا بالسرد يتخلّى عن منطق الحكاية ويتوغّل في «ميثولوجيا الحب وأعراس الرغبة، والعري الكوني للجسد الأنثوي». هكذا، يفرض الشعر سطوته على السرد، مهما سعى الكاتب إلى إقصاء الشحنة الشعرية لجهة معمار النص ونبرته اللغوية. بلاغة السرد إذاً لا تنجو من متخيّل الصورة الشعرية في طريقة التركيب والتعالقات النصيّة المعقّدة بين ما هو سردي وشعري في آنٍ واحد، كما في «والمنازل التي أبحرت أيضاً» و«العناصر».
هكذا، تفصح كتابة صالح عن سارد وشاعر يتجوّل على هواه في حقول اللغة، وما هذه القراءة التأويلية التي اقترحها رشيد يحياوي سوى إحالة ومقترح للارتطام بتجربة استثنائية في الكتابة، والاشتباك مع عناوينها أولاً، للقبض على متونها السردية المثقلة بجماليات شعرية أوّلاً. وربما سنلتقط كلمة السّر في ما أورده أمين صالح نفسه في المقطع الأخير من «والمنازل التي أبحرت..». إذ يقول «أما أنا، فحسبي أن أشهد ما يشهده القدر من سيرة المصائر، وأسرد كل هذا. أن أروي بعطر الكتابة أبجدية السفر وأمتدح الصحبة المباركة، أن أنظر عبر بلور الصداقة إلى نبض العاطفة ووهجها، أن أضمّ بين كفيّ هذه الأرواح الشفيفة مثلما تضم المياه ثمار المحيط...». لكن من هو أمين صالح؟ هل هو الشاعر أم القصّاص أم الروائي أم السينمائي؟ عبثاً سنحصل على إجابة.