يومها، غادر جان جينيه، الذي كان يقيم في المغرب إلى بيروت برفقة صديقته المناضلة الفلسطينية ليلى شهيد، ليكونا شاهدين على مجازر صبرا وشاتيلا 1982. وكانت حصيلة هذه الرحلة نصّه الجريء والنزيه والمغاير «أربع ساعات في شاتيلا».
راما عيسى ويارا عيد وحدهما على الخشبة، بين توابيت وأشلاء، ورائحة موت، تعيدان تمثيل مجزرة صبرا وشاتيلا إيقاعياً
التحقيق الصحافي الذي سبق أن شاهدناه ـــــ قبل ثلاث سنوات ـــــ بمعالجة أحد أبرز وجوه المسرح المغربي عبد الواحد عوزري، وأداء الممثلة المعروفة ثريا جبران، يذهب هنا إلى منطقة مشهدية مختلفة.
يكتفي عمايري بسينوغرافيا متقشّفة هي «سينوغرافيا الموت» على خلفية أداء صوتي وتعبيري راقص. راما عيسى ويارا عيد وحدهما على الخشبة، بين توابيت وأشلاء، ورائحة موت، تعيدان تمثيل المجزرة إيقاعياً، فيما تحتشد القاعة بأصوات وعبارات من جان جينيه في صياغات تعبيرية تفسّر «بذاءة الموت» في إشارات وعلامات تختزل هول المجزرة.
هكذا، ندرك تدريجاً تفاصيل «الشغل الوسخ» وفقاً لوصف جينيه لما حدث. لا يتكئ العرض على النص الأصلي مباشرةً، بقدر ما يستعير مناخات جان جينيه التراجيدية، واستبصار أبعادها كوريغرافياً في المقام الأول. لنقل إنه يعيد تشكيل رقصة الموت بأقصى حالات العري والانعتاق.
الجسد هنا عائد من موتٍ أكيد، كي يشتبك مع ذاكرة مثخنة بالألم والغواية في آنٍ واحد. غواية الجنون ومجاورة الموت. يصف جينيه حموضة الموت بقوله «لم تكن رائحة الجثث تخرج من منزل ولا من جسد منكّل به: بل كان يبدو لي أن جسدي وكياني هما اللذان يبعثان تلك الرائحة».
لعل في مثل هذه الفكرة تكمن فكرة العرض، في استعارة رنين الكلمات والصور والإيماءات، وإخضاعها إلى مونتاج بصري وموسيقي، يروي على نحوٍ آخر «حفلة وحشيّة جرت هناك: سمر، نشوة رقص، غناء، نداء، عويل، تأوّهات».
«جان جنين» ــ 8:30 مساء اليوم ـــ «مسرح «بابل»