محاضرة «الصحافة في حياة الأمّة» في المكتبة الوطنية اللبنانية، تمثّل البشائر الأولى لانبعاث ذلك المنبر الذي أسّسه الكاتب اللبناني في الأربعينيات...
زينب مرعي
«يوميات ميشال سرور» كان كتابه الأول والأخير. بعده، اعتكف عن الكتابة. كلّ من كان مقرّباً منه ظنّ أنّ السبب كان اكتشافه طريقة أخرى، يعبّر فيها عن أفكاره. طريقة ميشال أسمر ــــ ابن التاسعة والعشرين آنذاك ــــ تجلّت في إنشاء منبر حرّ، مركزه ساحة الدبّاس، أطلق عليه اسم «الندوة اللّبنانيّة». احتضن ذلك المنبر محاضرات أسبوعيّة في مواضيع علميّة وأدبيّة واجتماعيّة وسياسيّة، بمشاركة أبرز المفكّرين والمتخصّصين العرب والأجانب. بين هؤلاء نذكر كمال جنبلاط، وجورج نقّاش، وفؤاد افرام البستاني، والآباتي بيار... وفي عام 1946، وسط مشاريع الصحف ودور النشر والمجلات الأدبيّة وغياب التلفزيون، اكتسب مشروع ميشال أسمر في المنطقة أهمية كبيرة. بل كان الرجل الذي التصقت به هويّة «الندوة»، استثنائياً. أدار منبراً حوالى أربعين عاماً، من 1946 حتى وفاته عام 1984، لم يجد بعدها، وخصوصاً في ظلّ الحرب الأهليّة، مَن يكمل الرحلة يوماً واحداً من بعده. هكذا تقول ابنته رينيه أسمر هربوز: «انتهت الندوة عندما توفي ميشال أسمر».
كثيرون ممن كانوا أصدقاء «الندوة»، رفضوا التخلّي عن هذا المنبر بعد رحيل أسمر، وطالبوا ابنته بإكمال المسيرة، لكن هربوز ترى أنّه لم تكن هناك أهميّة لاستمرار المنبر، لأنّ الأفكار التي أسّس ميشال أسمر المنبر من أجلها كانت قد اختفت. هدف الندوة التي أنشئت بعد الاستقلال، بناء مجتمع ودولة. وبناء الدولة بالنسبة إلى أسمر كان يعني بناء القوانين، والبحث في مسألة الأحزاب السياسيّة الأساسيّة واختلاف الآراء. وفي زمن الحرب، بقي الهدف الأساسي لميشال أسمر الذي شارك في اعتصام السيد موسى الصدر الشهير في 27 حزيران (يوليو) 1975 احتجاجاً على الحرب الأهليّة، العمل على نشر الفكر الوفاقي. هذا الشرط لم يتحقّق بالنسبة إلى هربوز في أيٍّ من الذين تقدّموا لإبقاء مشروع «الندوة».
«بعد موته، انتهى الوفاق. أصبحوا ينظرون إلى بعضهم على أنّهم شيعة وموارنة وغير ذلك»، تقول... وتضيف: «اكتشفت أنّه لم يعد هناك شخص قادر على الحفاظ على هذه التركة، فطلبت أن أعطيها لمن يقدّم أفضل مشروع «للندوة»، لكن المشاريع التي قدّمت آنذاك، لم تقنعني». اليوم، ترى رينيه هربوز أنّه على روح «ندوة» ميشال أسمر أن تعود ولو في جسد آخر. لذلك تبحث عن صيغة جديدة تبعث الحياة في «مؤسسة الندوة اللبنانيّة» التي تعلن مشروعها وأهدافها في ربيع 2010. وتلك العودة التدريجيّة، يعلن عنها مساء اليوم، إعلاناً غير مباشر، من خلال المحاضرة التي تنظّمها

على روح «الندوة» أن تعود ولو في جسد آخر

رينيه هربوز بعنوان «الصحافة عامل فاعل في حياة الأمّة، وشاهد عليها»، ضمن «بيروت عاصمة عالميّة للكتاب»، في مبنى المكتبة الوطنيّة. يشارك في الندوة المؤرّخ والوزير السابق ورئيس المكتبة الوطنية في فرنسا سابقاً جان نويل جانّنيه، النائب والوزير السابق مروان حمادة، المؤرّخ والباحث جون دونيو، المؤرّخة ومديرة المحفوظات في المكتبة الوطنية في هولندا والعضو في مكتب «الكونسورتيوم العالمي للحفاظ على الإنترنت» هيلد فان فيجنغاردن.
أما الأربعاء 18 الحالي، فيقام محترف للاختصاصيين، يهتمّ بأحدث أساليب بثّ المعلومات، ودور المكتبات في التقاط المعلومات، إضافة إلى إطلاق وسائل إعلانية جديدة، وخصوصاً أرشفة الإنترنت. تهتم هربوز بمشروع المكتبة الوطنيّة اللبنانيّة. لذلك تسهم «الندوة» قبل إعادة إطلاقها رسمياً، في إعادة بناء تراث اللبنانيين من خلال هذه المكتبة. وضمن برنامج هربوز ندوة أخرى في آذار/ مارس المقبل، تستضيف فيها مؤرّخين، وفيزيائيين، وأنثروبولوجيين لتذكّر الشباب بأنّ «العالم يتطوّر بعيداً عن عالمنا الضيّق المكوّن من 8 و14 آذار»، وأنّه «يمكننا الاهتمام بالعلوم ابتداءً من بلدنا». تتريّث هربوز في صياغة المشروع النهائي للمؤسّسة. لكن يبقى التحدي الأساسي بالنسبة إليها هو الحفاظ على أفكار والدها، وخصوصاً في مجتمع يشبه إلى حد بعيد الوطن في زمن الحرب الأهليّة، لكن أيضاً بلغة جديدة، تواكب العصر.


السادسة مساء اليوم ــــ مبنى المكتبة الوطنية (مقابل حديقة الصنائع/ بيروت). للاستعلام: 01/320087