حسين بن حمزةالحب والحرب ثنائية أساسية في «مياه المرايا» (اتحاد الكتاب العرب) للشاعر السوري زهير غانم. ثنائية تتناسل منها تفاصيل ومشهديات حقيقية ومتخيلة. هناك قدرة على اشتقاق معانٍ عديدة لمعنى الحب والحرب. وهناك أيضاً قدرة على ابتكار فضاءات ومجرياتٍ لهذه الاشتقاقات. يترافق ذلك مع سيولة لغوية ومعجمية باذخة. اللغة هي أحد أسلحة زهير غانم. بدأت تجربته في المنعطف الذي أحدثه بعض شعراء الجيل السبعيني السوري باتجاه قصيدة نثرية متخفّفة من الايقاعات العالية والتفجع البلاغي والوجودي والسياسي. تجربة غانم لم تقطع صلاتها التخييلية واللغوية مع تجارب الجيل الستيني ومن سبقهم أيضاً. إنه مخضرم بين جيلين ، لكنه أقرب إلى السابقين من اللاحقين. هذا ما تقوله لنا حساسيته ونبرته وموضوعاته. نقرأ مجموعته الجديدة، فيتناهى إلينا مذاق شعرٍ لم يعد يكتبه شبان هذه الأيام. في استطاعتنا أن نقرأ تجربة غانم باعتبارها جزءاً من المشهد أو الواقع الشعري، لكننا نعرف أنها تتلقى سنداً من ماضٍ شعري وليس من الراهن.

يقدّم زهير غانم شهادة على واقع معيوش
صاحب «أعود الآن من موتي» يكتب قصيدة ذات طموحات تفعيلية وإيقاعية وتدويرية عالية. الإيقاع يفرض سطوته على المفردات والصور. لنقرأ: «ها أنا يقتلني الشوق إليك/ ما الذي أحتاجه حتى أموت/ غير حبٍّ لا أراه/ لهفتي فيه/ وأحيا في صداه/ صوتك الهاتفُ لي/ مثل دائي ودوائي/ وردائي فاترٌ والصيف نار/ كان تموز حريقاً وسعار/ مرت الحرب على قلبي/ وأضناني السفار».
يحس القارئ أن التدفق الايقاعي المقفّى لا يعطي الشاعر فرصة لائقة لاصطياد استعارات جديدة ومدهشة. قد نجد مقاطع يحضر فيها الشعر بضربات موفّقة مثل: «لقد كان لي حيلتي/ في الحروب القديمة/ لكنَّني الآن وحدي»، و«لماذا أقولك ورداً/ وأخطئ شوكي»، و«أنا نافرٌ كالحصاة التي/ تتدحرج في قاع هذا النهر»... لكن السياق العام يجعل هذه السطور جزءاً من قصيدةٍ وفية لتناميها الدرامي والايقاعي. القصيدة بالنسبة إلى زهير غانم أشبه بترجمة لمقاصد شخصية أو شهادة على واقع معيوش. أحياناً لا يلقى الشعر عناية كافية فيصبح مجرد رسالة حرفية إلى الحبيبة: «إنها شمس القبور/ تشرق الآن عليّ/ ودمارٌ في دمارِ الضاحية (...) بيتُكِ الآن هباءٌ وهباءْ/ غير أن المرسم المرضوض يبقى في انتظارٍ ووفاء».