بيار أبي صعب انطلق أمس، شمالي العاصمة اللبنانيّة، مؤتمر «بيروت رائدة الحريات في الشرق» الذي تنظّمه «الحركة الثقافيّة ـــــ إنطلياس»، بمشاركة مفكرين وباحثين وكتّاب وإعلاميين مرموقين. وكل استعادة لحريّة التفكير والتعبير والإبداع والانتماء والاختلاف والنقد، هي مناسبة ثمينة في هذا العالم العربي المنزلق إلى ظلاميّة جديدة لم تكشف عن وجهها تماماً بعد. ذلك أن ديكتاتوريّة مطلع القرن الحالي، «ليبراليّة» بامتياز، تختبئ في ثياب «الانفتاح» و«التحرر». لذا نخشى أن يُشغل مؤتمر إنطلياس، الذي يبدو مدرسيّاً وتقليديّاً، بالواجهة الاحتفاليّة، فيما معركة الحريّات تدور في مكان آخر. حين نقرأ محاور الجلسات (بيروت الحريّات الدينيّة والتعليميّة وحقوق الإنسان والطباعة والنشر والصحافة، رائدة النهضة العربيّة، منارة الحريّات في المشرق المعاصر...)، يخيّل إلينا أننا مدعوّون إلى حفلة فولكلوريّة. هل «الحركة الثقافيّة» مغتربة عن ثقافة المدينة وأسئلتها إلى هذا الحدّ، منصرفة إلى مشاغل متحفيّة تليق بالضواحي البعيدة الهادئة؟ هل يدرك أصدقاؤنا أننا نعيش زمناً آخر، وأن الاستكانة إلى أدبيّات الماضي ولغته التسوويّة تلهينا عن المشاكل الملحّة والمواجهات الحقيقيّة؟ هل يعرف المؤتمرون مثلاً أن في لبنان رقابة مشينة يمارسها رجال الإكليروس بالتواطؤ مع العسكر، خلف واجهة «منارة الشرق»؟ هل سمعوا بالتحرّك الذي انطلق أخيراً من «جمعيّة بيروت دي سي» في فرن الشباك، بحضور معظم السينمائيّين الشباب في لبنان وأهل النقد والثقافة، من أجل إعادة نظر جذريّة بقوانين الرقابة وتطبيقاتها المشوّهة؟ في «عاميّة فرن الشبّاك» تخاض اليوم المعركة من أجل بيروت... عاصمة الحريّات المؤجّلة!