سابقة غريبة من نوعها، لم يشهد الوسط الإعلامي مثلها من قبل في سوريا. جريدة «الوطن» اتّهمت عدداً من الإعلاميين بأنهم «سفراء إسرائيل لدى العرب». وحين رفع هؤلاء دعوى قضائية على الصحيفة، وقع بعضهم في مطبّات قانون المطبوعات

وسام كنعان
غالباً ما تتمحور خلافات الكتّاب والإعلاميّين السوريين مع صحفهم المحليّة حول مسائل تتعلّق بالمستحقّات المالية. وهذه المسائل العالقة يحلّها عادةً «فنجان قهوة سادة» في مقهى الروضة في دمشق، على أن تكون الجلسة كفيلةً بإعادة المياه إلى مجاريها والنقود إلى الجيوب التي تستحقها! لكن ما حدث أخيراً مع خمسة كتّاب سوريين مثّل سابقةً لم يشهد الوسط الصحافي السوري مثيلاً لها.
بدأت القصّة حين أوردت جريدة «الوطن» السورية في عددها الصادر يوم 28/1/2009 أسماء خمسة كتاب هم أُبي حسن ونضال نعيسة وجهاد نصرة وحمزة رستناوي ولؤي حسين، ضمن خبر نقلته عن «موقع القوميين العرب» ومفاده أنّ وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني أوصت بنشر مقالات هؤلاء الكتّاب السوريين ومجموعة أخرى من الإعلاميين العرب، على الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية الإسرائيلية! أما السبب فهو أنّ هؤلاء يُعتبرون «سفراء إسرائيل لدى العرب» وفق ما أوردت «الوطن»! كما ضم التقرير يومها أسماءً لبنانية كالصحافي والكاتب حازم صاغية وأخرى خليجية كمدير قناة «العربية» عبد الرحمن الراشد، ورئيس تحرير «الشرق الأوسط» طارق الحميد، إضافة إلى ناشر موقع إيلاف الإلكتروني عثمان العمير. ورغم أن جريدة «الوطن» عادت بعد أيام لتنشر توضيحاً تؤكد فيه أنّها نقلت الخبر عن موقع القوميين العرب، لكنها رأت أن وصف الموقع بعض الكتاب الواردة أسماؤهم في التقرير كسفراء لإسرائيل هو وصف صائب، بل يمكن وصفهم بأكثر من ذلك وفق ما ذكرت الصحيفة في توضيحها! إلا أنّها استثنت في هذا التوضيح أبي حسن وجهاد نصرة ولؤي حسين. المسألة لم تنته عند هذا الحد. منذ فترة، باشر أُبي حسن ونضال نعيسة إجراءات دعوى قضائية ضد وضاح عبد ربه بصفته رئيس تحرير جريدة «الوطن»، وجورج قيصر بصفته مدير تحريرها. كما باشر لؤي حسين إجراءات قضائية مماثلة ضد «الوطن» وموقع القوميين العرب أيضاً. وكانت النتيجة أن ربح لؤي حسين القضية وحكمت المحكمة بدفع تعويض مادي له يبلغ 23000 ألف دولار أميركي يتحمّلها موقع القوميين العرب وناشره سعيد البرغوثي. لكن الغريب أنّ أُبي حسن ونضال نعيسة عادا خاليي الوفاض بعدما أقرت محكمة الاستئناف الأولى في دمشق بعدم مسؤولية الجهة المدعى عليها! هنا تطوّرت الأمور، فوجّه نضال نعيسة رسالة إلى وزير العدل السوري يطلعه فيها على الخطأ الفاضح في تطبيق قانون المطبوعات السوري. واستشهد نعيسة بنص المادة 51 من هذا القانون التي تقضي بمعاقبة كل من ينشر أخباراً كاذبة أو وثائق مزوّرة بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، أو دفع تعويض يراوح من عشرة آلاف دولار حتى 20 ألف دولار، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وفي اتصال مع «الأخبار»، قال نضال نعيسة: «لا أتحمّل مسؤولية نشر موادي على موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية ما دام الأمر متاحاً لهذا الموقع وغيره من دون الرجوع إلى كاتب المقال. وغالباً ما تعيد المواقع الإلكترونية نشر مواد لكتاب من مختلف أنحاء العالم مع الإشارة إلى اسم الكاتب ومصدر المادة. لكن يبدو أن هناك تقصداً لكتاب يمثلون الفكر العلماني ومواجهة السلفية والتطرف». وعن مقالته التي نُشرت على موقع الخارجية الإسرائيلية، يقول نعيسة: «في الفترة التي واجهنا بها اتهام

تقرير عن نشر مقالات لإعلاميين عرب على موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية
جريدة «الوطن»، كان العدوان الإسرائيلي على غزة في ذروته. عندها كتبت مقالة بعنوان «إسرائيل ضرورة قومية» تناولت ضرورة وجود إسرائيل تهكمياً. وهذه الفكرة طرحها كتّاب قبلي كمحمد الماغوط مثلاً، لكنني أعدت طرحها طرحاً مختلفاً وقد تناقلها العديد من المواقع مثل «الحوار المتمدن» و«كلنا شركاء» وغيرهما». ويستغرب نعيسة تجاهل القضاء السوري لتاريخه في العمل الإعلامي. إذ عمل سابقاً في محطة تلفزيونية لندنية، وكان له فيها برنامج حواري حوله إبان حرب تموز على لبنان لخدمة المقاومة والتيار الوطني مما أدى إلى طرده من المحطة على حد زعمه.
لؤي حسين يعرب في حديثه لـ«الأخبار» عن استيائه من قرار المحكمة، معتبراً أن القضاء السوري يفتقر إلى قاض واحد، يفهم بعمق قانون المطبوعات الصادر عام 2001 «رغم عدم رضانا على هذا القانون، إلا أننا نضطر لشرحه للقضاة من دون فائدة» يقول مضيفاً: «كان الأمر بالنسبة إليّ منتهياً بمجرد اعتذار صريح على صفحات جريدة «الوطن»، أو بجلسة ودية من دون نظرة الاستعلاء التي تعتري القائمين على هذه المطبوعة، ثم لا بد من التنويه بأنني لم أكتب قبلاً إلا في ما يخص الوضع السوري، ولم تنشر لي وزارة الخارجية الإسرائيلية أي مادة. وللأسف المحاكمة لم تأخذ بالنص القانوني الواضح».


مفاجأة من العيار الثقيل

بعدما وجّه رسالة إلى رئاسة الجمهوريّة ومجلس الوزراء ومكتب الأمن القومي يطلب فيها معاقبته باعتباره «سفيراً لإسرائيل لدى العرب» كما اتّهمته «جريدة الوطن»، يفكّر الإعلامي أُبي حسن (الصورة) جديّاً في التوجّه إلى مقر النيابة العامة في دمشق ليطلب اعتقاله، لأن القضاء لم ينصفه كما قال، وأضاف: «لم يعد أمامنا سوى مخاصمة (السلوك الأخير أمام المدعي إذا صار قرار المحكمة مُبرماً) محكمة الاستئناف الأولى في دمشق. وعلى الأرجح، لن نفعل ذلك لأنّنا لا نملك التكاليف المالية لهذه المخاصمة، ولسنا مضطرين لتحمّل المزيد من الأعباء الماديّة بسبب غياب ضمير بعض القضاة».