مهرجان استعادي في ذكراه العاشرةعثمان تزغارت
لم تمرّ الذكرى العاشرة لرحيل السينمائي الفرنسي الكبير روبير بروسون (1901 ــــ 1999) مرور الكرام. خصّت الأوساط السينمائية الفرنسية صاحب «محاكمة جان دارك»، بتظاهرات متعددة. مثلاً، أعاد المنتج سيمون سيمسي ـــــ أحد آخر ديناصورات «سينما المؤلف» الفرنسية ـــــ طرح ثلاثة من أفلامه في قاعة Acacias في باريس. وها هي بيروت، تحتفي بسينمائي النقاء، بمبادرة من «البعثة الثقافية الفرنسية» وسينما «متروبوليس»، عبر تظاهرة استعاديّة شاملة لمجمل أعماله، بحضور الناقد جان ـــــ ميشال فرودون رئيس التحرير الأسبق لمجلّة «دفاتر السينما» الفرنسيّة العريقة، وصاحب كتاب عن بروسون صدر ضمن سلسلة «السينمائيّون الكبار» عن المجلّة المذكورةعبر مسيرة حافلة، امتدت أكثر من 40 سنة، احتلّ بروسون موقعاً طليعياً في السينما الفرنسية. عدّه اثنان من أبرز أقطاب «الموجة الجديدة»، هما فرنسوا تروفو وجان لوك غودار، مثلهما الأعلى في السينما واعتبرا أعماله «ثورةً قبل الثورة». صاحب «فرار محكوم بالإعدام/ أو/ الريح تهبّ حيث تشاء» (فيلم الافتتاح ـــــ ٤/٢) الذي نال جائزة أفضل إخراج في «كان» (1957)، لم ينتظر الانتفاضة الستينية لركوب موجة التغيير. أشعل الثورة في السينما الأوروبية، لما بعد الحرب العالمية الثانية، منذ فيلمه «سيّدات غابة Boulogne» (٦/٢) الذي يعود إلى عام 1945، أي بعد 11 عاماً على تحقيق باكورته الروائية القصيرة «الشؤون العامة» (١١/٢). لكنه طلب لاحقاً إسقاط الفيلم الأخير من لائحة أعماله وعدم عرضه مجدداً على الجمهور.
في 1942، كان بروسون خارجاً من المعتقل النازي، بعدما سُجن في الأسابيع الأولى للحرب، وقضى عاماً في الأسر، ما أسهم في خلخلة قناعاته الدينية هو الذي تلقّى تربية كاثوليكية صارمة. من تلك التجربة، وُلد عمله الأول «ملائكة المعاصي» (1943ـــــ ٥/٢) الذي عدّه تروفو «موجة جديدة قبل الموعد» لأنه تنبّأ بالثورة الشبابية المقبلة، رغم أنه سبقها بربع قرن! أما الجمهور الواسع، فاكتشف بروسون، وأغرم بالنفس الإنسانية والروح الشاعرية الرقيقة التي تتّسم بها سينماه، منذ نجاح «نساء غابة Boulogne». كانت أوروبا خارجة من أتون الحرب العالمية الثانية، حين قدّم بروسون ذلك الفيلم الذي تعاون في كتابة حواراته مع جان كوكتو. رغم نجاح الفيلم، إلا أنّ بروسون لم يكن راضياً. لم تكن تلك السينما التي يحلم بتقديمها. كان يطمح إلى سينما مجدّدة تكتسب جمالياتها من عفويتها كما قال. لذا، قرّر ألا يستعين بممثلين محترفين. وفسّر ذلك بقوله: «أؤمن كثيراً بالجمال، لكن الجمال لا يكون جميلاً إن لم يكن طبيعياً وعفوياً. وكيف يمكن ممثلاً محترفاً أن يكون طبيعياً؟ هو يحتاج إلى أن يعرف مسبقاً ما سيقدّمه أمام الكاميرا. أما أنا، فأُراهن على الآني والعفوي. أومن بأنه لا إبداع لفن من دون إفساح المجال للمفاجأة والتغيير».

منه استلهم روّاد «الموجة الجديدة» المنحى المينيمالي الذي أعلن القطيعة مع بهرجة التصوير
من يقرأ هذا التصريح الذي أدلى به بروسون عام 1947، يخيّل إليه أنه يستمع إلى كلمات تروفو أو غودار بعد عقدين، ما يفسّر لماذا اعتُبر بروسون من قبل روّاد «الموجة الجديدة» بمثابة مثلهم الأعلى في التجديد السينمائي. أسقط تدريجاً السيناريو التقليدي لحساب رؤية سينمائية تراهن على الارتجال، بهدف الإمساك بجمالية الآني بكل ما فيه من عنفوان وعفوية.
لتجسيد هذه الرؤية الإخراجية، توقّف بروسون عن العمل خمس سنوات بعد «نساء غابة بولونيو». لكن ذلك الاعتزال الطوعي كان فترة تأمل مثمرة. كان بروسون يتراجع خطوات إلى الوراء استعداداً لتحقيق قفزة أكبر. لذا، جاء فيلمه التالي «يوميات كاهن في الأرياف» (1950 ـــــ 7/2) بمثابة رائعة سينمائية أسّست لتيار مغاير في سينما المؤلف الفرنسية. بعد ذلك، راح يتنقّل من نجاح إلى آخر. قدّم «فرار محكوم بالإعدام» (1956)، و«النشّال» (1959 ـــــ ٨/٢) و«محاكمة جان دارك» (1962 ـــــ ٩/٢). ثم اقتبس فيلميه «امرأة رقيقة» (1969 ـــــ ١٣/٢) و«أربعة ليال في حلم» (1971 ـــــ ١٤/٢) عن قصص لدوستويفسكي. فيما استوحى فيلمه الأخير «المال» (1983 ـــــ ١٧/٢) من قصّة تولستوي «الصك المزوّر».
من سينما بروسون، استلهم رواد «الموجة الجديدة» المنحى المينيمالي الذي طرح جانباً بهرجة التصوير، وأسقط المعايير الكلاسيكية للإطار السينمائي، لإفساح المجال أمام رؤية مجدّدة تسعى إلى جس نبض ما يحدث خارج المشهد المصوّر، عبر الأصوات والظلال التي تشكّل صدى لما يحدث على الشاشة، ووسيلة لرصد ردّ فعل البيئة المحيطة التي يندرج ضمنها المشهد السينمائي.
لم تقتصر تأثيرات الرؤية الإخراجية المجدّدة التي ابتكرها بروسون على سينما «الموجة الجديدة» الفرنسية، بل تركت بصماتها على مخيّلة أجيال متلاحقة في السينما العالميّة. على سبيل المثال لا الحصر، نجدها اليوم حاضرة بقوة في أعمال معلّمين كبار، أبرزهم الإيراني عباس كياروستامي والفنلندي آكي كوريسماكي...

من 4 إلى 18 شباط (فبراير) ـــــ سينما «متروبوليس» (الأشرفيّة/ بيروت) ـــــ للاستعلام: 01/204080


من البرنامج

فرار محكوم بالإعدام ـــ 1956
٤/٢ < 8:00في عام 1943، تُلقي الشرطة الألمانية القبض على فونتان بتهمة الانخراط في المقاومة وتقرّر إعدامه مع رفاقه. لكن المناضل الفرنسي يقرّر عدم الرضوخ لهذا الوضع ويبدأ بالإعداد لعمليّة فراره مع صديقه في الزنزانة. فشل عمليّة الفرار لن يثنيه عن المحاولة من جديد!



يوميّات كاهن في الأرياف ـــ 1950
7/٢ < 8:00كاهن قرية «أمبريكور» الشاب، يصطدم بسخرية رعيّته منه وعدم التفاتهم إلى الدّين، فيحاول إعادة وصل الأوصال المقطوعة بين رعيّة بلدته والدّين. الفيلم المستوحى من رواية جورج بيرنانوس التي تحمل العنوان ذاته، حاز جوائز عدّة، بينها جائزة «لوي دولوك»



الشيطان ربما ـــ 1976
16/٢ < 8:00عن هذا العمل، نال بروسون «جائزة الأسد الفضي» في «مهرجان برلين» عام 1977. بطل الشريط شارل، كائن رومنسي، لا يؤمن بالمنظومة الأخلاقيّة والدينيّة لمجتمعه. كأحد أبطال النار في الأساطير الإغريقيّة، يحلم الشاب بعالم أفضل. وحين يصطدم بالواقع، يغرق في يأس عميق، ويقرر الانتحار.



نساء غابة بولونيو ـــ 1945
6/٢ < 8:00يستوحي روبير بروسون شريطه من رواية دوني ديدرو الشهيرة «جاك القدري». يتناول الفيلم قصّة انتقام إيلان من حبيبها جان الذي توقّف عن حبّها. يحمل السيناريو توقيع جان كوكتو. يسبق الفيلم لقاء مع الناقد السينمائي الفرنسي جان ـــــ ميشال فرودون.



النشّال ـــ 1959
8/٢ < 8:00من رواية دوستويفسكي الشهيرة «الجريمة والعقاب»، استلهم بروسون شريطه. تتخذ الجريمة في هذا العمل بُعد الإدمان، مع ميشال، السارق الملحاح الذي يحوّل نشل الحقائب والجيوب في الأماكن العامّة إلى هواية. لعبته هذه لن تنتهي لمصلحته...



المال ـــ 1983
17/٢ < 8:00يواصل المعلم الفرنسي هنا بحثه الأثير في أصل الشر والجريمة. في قصة غرائبية، تتنقل ورقة 500 فرنك من متجر إلى متجر، قبل أن تقع بين يدي إيفون، وهو شاب بريء ساذج. العمل مستوحى من قصة تولستوي «الصكّ المزوّر»، وينتهي الأمر ببطله إلى الدخول في دوامة الجرائم والقتل.