ديموقراطية الإنترنت في خبر كانليال حداد
هل أسهمت ثورة الإنترنت والـ«نيو ميديا» حقاً في تعزيز الديموقراطية في العالم؟ هل يتجوّل معارضو الأنظمة الديكتاتورية في العالم بحرية على الشبكة العنكبوتية؟ وماذا عن حرية تدفّق المعلومات لمتصفّحي الإنترنت: هل هي وجه من أوجه الديموقراطية؟ أم أنها مجرّد قناع للترويج لأفكار وأيديولوجيات مختلفة؟
يبدو الحديث عن علاقة الإنترنت بالديموقراطية بديهياً بالنسبة إلى بعضهم، غير أنّ الواقع ليس كذلك. إذ خصّصت مجلة Books الفرنسية، ملفاً خاصاً في عددها الأخير حمل عنوان «الإنترنت ضدّ الديموقراطية؟». في هذا الملف، حاولت المجلّة التأكيد أن فرضية «انتصار ديموقراطية الإنترنت» لم تعد صالحة، أو ربما... لم تكن يوماً كذلك. هذا الملفّ تزامن مع احتفال المدوّنين في العالم بـ«اليوم العالمي لمكافحة الرقابة الإلكترونية» (12 آذار/ مارس).
ولعلّ ما أوردته منظمة «مراسلون بلا حدود»، في تقريرها السنوي عن «أعداء الإنترنت»، جاء ليدعم ملفّ المجلة الفرنسية. إذ ورد في مقدّمة التقرير: «ولّى الزمن الذي كانت شبكة الإنترنت ووسائل الإعلام الجديدة تمثّل ميداناً مخصصاً للمنشقين والمعارضين». وذكر التقرير أنّ أشكال الرقابة الممارسة على الإنترنت طالت ستين بلداً، «وهو ضعف عدد الدول التي كانت معنية بالرقابة في العام الماضي».
وكما هي الحال منذ سنوات، فإنّ الدول العربية تتصدّر لائحة الدول المعادية للإنترنت، وأبرزها مصر، وتونس، والسعودية، وسوريا، إلى جانب كل من إيران، وبورما والصين، وكوريا الشمالية، وكوبا، وأوزبكستان، وتركمنستان، وفييتنام. أما الإمارات العربية المتحدة، فأدرجتها «مراسلون بلا حدود» في خانة الدول «قيد المراقبة».
كل هذه الدول تمارس رقابةً على المدوّنين، ومحتوى الصفحات الإلكترونية، فتحجب ما تراه غير مناسب «أخلاقياً» أو سياسياً، كما تعتقل الناشطين على المواقع والمدوّنات من دون تقديم أي تبرير.
حجبت السلطات التونسية مواقع المعارضين، تارة بحجّة الإباحية وطوراً بحجة الإرهاب
غير أنّ الحديث عن دخول الديكتاتوريات على خطّ الإنترنت لا يعني فقط الرقابة، وحذف المواد واعتقال المدوّنين والكتّاب. بل يبدو أنّ الأنظمة القمعية اختارت الإفادة من التكنولوجيا الجديدة، بدلاً من محاربتها.
في الصين مثلاً، إنتهت الأزمة الأخيرة مع «غوغل» بإقفال «غوغل» الصيني (غوغل. سي أن) وإحالة الزوار إلى موقع هونغ كونغ (غوغل.كوم.اتش كي)، مع إبقاء الشركة على مقرّها في بكين «لمواصلة أعمال البحث والتطوير والحفاظ على وجود تجاري».
والمعروف أنّ النظام الصيني «جنّد» 280 ألف «معلّق»، لمراقبة الإنترنت والمشاركة في النقاشات السياسية والاقتصادية، من خلال وضع تعليقات وكتابة مقالات مناصرة للسلطة. ويعرف هؤلاء الصينيون باسم «حزب الخمسين سنتاً» في إشارة إلى المبلغ الذي يتقاضونه مقابل كلّ تعليق.
إلى جانب الصين، تبدو التجربة الإيرانية الأكثر تعبيراً عن «ديكتاتورية الإنترنت». عقب الانتخابات الرئاسية والتظاهرات التي عمّت المناطق الإيرانية، اختارت وسائل الإعلام الغربية تسمية هذه «الثورة» بـ«انتفاضة التويتر»، بسبب الدور الكبير الذي لعبه الموقع الشهير وغيره من المنتديات الاجتماعية في تعبئة الرأي العام الإيراني في الداخل والخارج.
لكن الصورة ليست مشرقة إلى هذا الحدّ. جاء في تقرير لـ«وول ستريت جورنال» أنّ النظام الإيراني استطاع رصد كل الرسائل التي تناقلها المعارضون في الداخل والخارج وتعقّب هؤلاء، ونجح في ممارسة التضييق عليهم. كما أن الحكومة الإيرانية، استخدمت صور المعارضين التي يضعونها في ملفاتهم الشخصية على «فايسبوك» ونشرتها على المواقع الإلكترونية الرسمية، في محاولة لحثّ «المواطنين الصالحين» على الوشاية بهم، كما ذكر إفغيني موروزوف في مقالته في مجلة «بوكس».
لكن ماذا عن العالم العربي؟ حتى الساعة، تبدو الأنظمة العربية مكتفية بالديكتاتورية «البدائية» ــــ إن صح التعبير ــــ فتلجأ إلى سجن المدوّنين وحجب المواقع، أو إقرار قوانين تحدّ من حرية الـ«أون لاين». كما حدث في البحرين حين أطلقت وزيرة الثقافة مي بنت محمد آل خليفة «حملة ضدّ الإباحية» فحجبت أكثر من ألف موقع أغلبها لا يمتّ للإباحية بصلة، مثل موقع «الشبكة العربية لحقوق الإنسان». وتحت الحجة نفسها، لجأت السلطات التونسية إلى حجب مواقع المعارضين، متهمةً إياهم تارة بالإباحية وطوراً بالإرهاب!
أما في سوريا، فلجأ النظام إلى طريقة جديدة للسيطرة على المحتوى، وهي الاستعانة ببرمجيات «ثاندركاش»، لمراقبة المواد المنشورة «بحجة حماية الاتصالات من برمجيات التجسس والفيروسات وعمليات التصفّح غير الملائمة والرسائل الفورية وتقنية تدفّق الصوت...».

... والأنظمة العربية تبقى الأشد بطشاً
سفيان الشورابي
كما كان متوقعاً، استطاعت مصر والسعودية وتونس وسوريا الاحتفاظ بمراكزها كأكثر الدول المعادية للإنترنت في العالم، إلى جانب كوريا الشمالية، وأزباكستان، وبورما، والصين، وكوبا، وفييتنام، وتركمانستان وإيران. هذا ما أشار إليه التقرير السنوي الذي نشرته منظّمة «مراسلون بلا حدود» في مناسبة «اليوم العالمي لمكافحة الرقابة الإلكترونية». يأتي هذا التقرير ليؤكد أن الصراع على الشبكة العنكبوتية لا يزال محتدماً: من جهة، تسعى الحكومات إلى تضييق هامش الحرية الذي وفرته سهولة استعمال التكنولوجيا الحديثة. من جهة أخرى، يجهد النشطاء والمواطنون العاديون لإيصال أصواتهم وممارسة حقهم في التعاطي مع الشأن العام.
البداية من السعودية. هنا، يقف المدوّنون في مواجهة القوى المحافظة التي تسعى إلى محاصرة مساحة النقاش. إضافة إلى المواقع الإباحية، تُحجب أيضاً المواقع التي تتناول قضايا الدين أو حقوق الإنسان أو مواقف المعارضة. ولا تتنصل السلطات من هذه الإجراءات بل أعلنت حتى الآن حجبها أكثر من أربعة آلاف موقع.
حجبت السلطات الإماراتية المواقع التي تناولت الأزمة المالية في دبي
كذلك فرضت السلطات الرقابة على مقاهي الإنترنت من خلال وضع كاميرات خفية وتقديم قائمة بالزبائن والمواقع التي يدخلونها. ولا يتردّد النظام في اعتقال المدوّنين وأبرزهم السوري رأفت الغانم المقيم في السعودية الذي لا يزال مصيره مجهولاً منذ اختطافه في كانون الثاني (يناير) 2009. وفي مصر التي تسجّل أعلى نسبة دخول إلى الشبكة العنبكوتية في أفريقيا، أصبح الإنترنت مساحة للتعبئة ولتعبير المعارضين عن أفكارهم السياسية والاقتصادية. وكان هذا العامل كفيلاًَ بإزعاج السلطات التي سجنت في العامَين الأخيرَين أكثر من 500 مدوّن. وكما في السعودية ومصر، كذلك في سوريا. تعزّزت الرقابة في الفترة الأخيرة، فبدأ اقتفاء أثر المواطنين الإلكترونيين الذين يعارضون النظام. ونتيجة لهذا التضييق، حُجب في عام 2009، أكثر من 200 موقع ينتقد النظام أو يطرح قضايا الدين والأكراد. حتى اليوم، لا تزال مواقع «يوتيوب»، و«فايسبوك»، و«مكتوب»، و«بلوغسبوت» محجوبة. كما أصبحت مداهمات الشرطة لمقاهي الإنترنت شائعة.
في تونس، لا تبدو الصورة أفضل، فتحارب السلطات أي فرصة لتحوّل الإنترنت إلى مساحة حرة للنقاش. وتمارس «قبضة حديدية» على مواقع المعارضة والمواقع الإخبارية ومواقع الدفاع عن حقوق الإنسان. وكما في أغلب الأنظمة القمعية، تفرض تونس تضييقاً كبيراً على مقاهي الإنترنت، حيث يضطر كل شخص أن يظهر هويته قبل استعماله الشبكة العنكبوتية.
ومن بين الدول التي وضعتها «مراسلون بلا حدود» قيد المراقبة، الإمارات العربية المتحدة، حيث يعالج المدونون الإماراتيون قضايا ذات اهتمام عام ولكنهم يضطرون لممارسة الرقابة الذاتية. وتحت ستار مكافحة الإباحية، اختفت آلاف المواقع الإلكترونية. حتى أن السلطات حجبت عدداً من المواقع التي تحدّثت عن الأزمة المالية التي تعانيها الدولة، وخصوصاً في إمارة دبي.
هكذا، تعمل الحكومات العربية جاهدة لإسكات جميع الأصوات المعارضة والمنتقدة التي أفادت من وجود الإنترنت. غير أن حجم الرقابة وعمليات الحجب وترسانة القوانين تقف بقوة أمام الإفادة الإيجابية من الشبكة المعلوماتية.