نساء حول العالم فتحن قلوبهنّ للممثلة السويدية غودرون اكستراند، وتحدّثن عن الهجران. النتيجة كتاب مؤثر، عرّبه أثمار عباس أخيراً عن «دار نينوى» في دمشق، تحت عنوان «غضب ميديا وعقدة النساء المهجورات»
خليل صويلح
«ميديا»، بطلة يوربيدس قبل ثلاثة آلاف عام، تعيش بيننا إلى اليوم. هناك حول العالم عدد كبير من النساء اللواتي يعشن مكابداتها، في الواقع وليس على خشبة المسرح. كأن التراجيدي الإغريقي القديم، التقط بعمق ودراية ما يجول في أعماق النساء المهجورات. غودرون اكستراند، الممثلة السويدية التي حلمت طويلاً أن تجسّد هذه الشخصيّة على الخشبة، في دور قويّ ومعبّر ومركّب، راحت تقتفي أثرها في الحياة اليوميّة. لم تتح الفرصة لهذه الممثلة كي تلتقي «ميديا» الافتراضية، لكنها صادفتها في الواقع مراراً. هكذا فكّرت في أن تنجز كتاباً ميدانياً، عن نساء عشن محنة تلك المرأة التي هجرها زوجها جاسون، فانتقمت منه بقتل ولديها لتذيقه أمرّ أنواع العذاب.
تلتقي غودرون اكستراند أولاً، صديقةً قديمة فتخبرها أنها امرأة مطلقة، فتقرر أن تكتب بحثاً عن النساء المهجورات. بدأت القصة بإعلان طريف «مطلوب الحديث مع امرأة مهجورة، للاستفسار الرجاء الاتصال على الرقم....». تقول غودرون في مقدمة كتابها «غضب ميديا وعقدة النساء المهجورات» الذي عرّبه أثمار عباس أخيراً في دمشق عن «دار نينوى»: «لم أتوقع أن يتصل بي أحد، لكن المفاجأة كانت أن هاتفي لم يتوقف عن الرنين. وفي ظرف أسابيع، التقيت ببعض النساء وتحدثنا بقلب مفتوح عن الهجران». هكذا صرفت الممثلة السويدية عشر سنوات من حياتها في رحلة طويلة بين الهند والصين والسويد، والتقت 900 امرأة، تحدّثن معها عن سلوكيات الرجال وهجرانهم والصعوبات التي واجهتهن في البداية. وإذا بها تغرق في جحيم ميديا بكل تفاصيلها، بمشاعر الحزن والصدمة والغضب وحطام قصص حب انتهت إلى الكراهية.
إحساس المرأة المهجورة يبقى نفسه عبر المكان والزمان...
لا يقتصر البحث على إضاءة أحوال النساء المهجورات وإحساسهنّ بالوحدة والأوقات اليائسة والفوضى التي تخيّم على حياتهنّ، بل يتعداها إلى كيفية تجاوز هؤلاء النسوة المحنة ومحاولات الخروج منها. يضم الكتاب شهادات 30 امرأة تفترق وتتقاطع عند معنى الهجران وطرق معالجته. كأن روح ميديا تتجوّل في أعماقهن «كيف استطاع أن يهجرني أنا؟... أنا التي فعلت كل شيء من أجله!».
تلاحظ غودرون: «في الهجران يكون إحساس المرأة مزيجاً من الحزن واليأس، وشعوراً بالإهانة والتحقير، وإحساساً بالذنب، وغضباً وكرهاً وانتقاماً وبكاءً لا يتوقف». تتراكم لديها وتتقاطع تجارب الفقد بأشكال ومواقف مختلفة. إذ يمتزج الهجران بالخوف، وبإحساس بالهلع على عتبة حياة أخرى مشحونة بالارتباك والحيرة وفقدان التوازن.
لكن الباحثة السويدية تنصح من يشعرن بالوحدة بعد الطلاق، بالنظر إلى الوراء كمن ينظر في مرآة السيارة الجانبية: «عندها ستجدين لائحة كاملة لجميع الإجابات التي تبحثين عنها». وتطمئن ميدياتها في الكتاب: «لا تخافي، ستتعدين الأزمة، الخوف الذي تحملينه في داخلك سينتهي». سنتعرّف خلال حكايات النساء إلى رجال يقترحون الصداقة بعد الطلاق. تعاجل غودرون إلى القول: «من يغلق المنطقة الحميمة مع زوجته، لا يمكن أن يكون صديقاً لها مرةً أخرى». وتنصح بأن تبحث المرأة المهجورة عن هويتها الجديدة باستعادة ذاتها المقموعة: «كلما كانت الذات أكثر وضوحاً، استطاع الإنسان أن يعرف نفسه أكثر، ويبتكر حياةً أخرى». وتنصح أولاً بتغيير مفاتيح المنزل «لا توافقي على أن يترك الزوج مسمار جحا في البيت». وتحذّر من أعراض الصدمة باعتبارها من أكثر حالات الطلاق تعقيداً، فتستعير شخصية «ميديا» مرةً أخرى، وتحلّل عذاباتها لتنتهي إلى القول «كفى! ليست هذه نهاية العالم».
في باب الانتقام، نتعرّف على حالات غاضبة كمحصلة للانتهاك والإذلال اللذين تعيشهما المرأة المهجورة: تحلم هيلينا بأن تسكب سطلاً من اللبن فوق رأس غريمتها، فيما ألقت أخرى ثياب طليقها في حاوية النفايات. وكتبت ثالثة للمرأة التي كانت شريكة زوجها في الخيانة: «مبروك جاء دورك، هنيئاً لك أيتها القردة». إذ إنّ جاسون المعاصر يستحق أشكالاً فظيعة من الانتقام. وهو ما يساعد الزوجة المهجورة على الشفاء، رغم أنه عمل قبيح، وفقاً لنصائح الكاتبة، فهي تقترح أن تكتب المرأة تفصيلياً مأساتها، ثم تشعل شمعة وتحرق كل ما كتبت. ثم تبدأ حياتها تحت شعار: «الإرادة أساس المقدرة». في الفصل الأخير من الكتاب، تضع غودرون أكستراند نصائح وإرشادات للنساء المهجورات لمساعدتهنّ على التحرر النهائي من الماضي البائس: «انظري فقط إلى إمكانياتك وقدراتك الخاصة، عندها ستفوزين بحريتك».