«المتروكة» رواية تشبه كثيراً المدن التي تحتضن أحداثها... مدن «كوسموبوليتية ومتنوّعة وغير رتيبة ونهايتها غير متوقّعة». الدين في الرواية ظلال ثقافية، تكون مقبولة طالما لا يصاحبها فرض وإكراه. والعلمنة تتجسّد كمفهوم للممارسة الشخصية غير المتزمتة. أمّا الإلحاد الذي تعتنقه بعض شخصيات الرواية، فلا يبدو متناقضاً مع قناعات رجل دين مقدسي. إذ يلتقي الطرفان حول قضيّة مشتركة: حريّة القدس وفلسطين.
من أجل مستقبل حرّ أبعد من الجدران الإسمنتيّة والفولاذيّة
وبالعودة إلى قصّة رياض وميا، تتّخذ الأحداث منحىً درامياً. يستغل الموساد صديقة قديمة لميا ويحاول الإيقاع بالناشطة وزوجها بعدما أزعجا إسرائيل كثيراً، وخصوصاً لناحية تعاطيهما الذكي مع البروباغندا الإسرائيلية في الغرب، ومحاولتهما الجديّة لتسليط الضوء على جرائم الاحتلال. لاحقاً، يختفي أبطال الفصول الأولى من الرواية، لندخل من جديد إلى عالم الإثارة من خلال قضية البحث عن ابنة رياض وميا التي تركاها في عهدة صديقة، سرعان ما تفقدها بترتيب من والدَي ميا الإسرائيليّين. هنا، تنتقل أحداث الرواية إلى مونتريال. وقد تكون نقطة الضعف الوحيدة في الرواية هي انتقال السرد إلى عمق الغرب في الشرق الكندي. كأنّ الرواية وتفاصيلها المثيرة كُتبت فقط لإقناع الغربيّين بعدالة القضيّة. أسلوب التغريب المكاني للأبطال واستخدام جهل القارئ العربي بالأمكنة تكتيك يزخر بالجماليّات الوصفية لمدن متخيَّلة مثل مونتريال الكندية، لكنّه أسلوب يضع الرواية وكاتبها تحت مقصلة شعور القارئ بالغربة عن جغرافية المكان. أسلوب يحتمل أيضاً تشتّتاً بين فضول الاكتشاف لدى القارئ، والرغبة في حميميّة مفقودة مع أسماء ومناطق يسمع بها للمرة الأولى. أمّا النهاية، فمفتوحة على الأمل... وتكون على مأساويتها انطلاقة جديدة للحب وللعمل من أجل مستقبل حرّ أبعد من الجدران الإسمنتيّة والفولاذيّة.