تتنوّع الأسماء الأجنبية في أمسيات «مهرجانات بيبلوس»، غير أنّ الموعد الأبرز والأعرق يبقى مع الفنان البرازيلي العتيق، كايتانو فيلوسو. الحفلة تعدّ إنجازاً مهماً للمهرجان، إذ تقدّم فسحةً فنية ممتعة لمختلف الفئات العمرية. إذاً، بعد زيارة البرازيلي الأسمر، جيلبيرتو جيل، ضمن «مهرجانات بيت الدين 2008»، ها هو فيلوسو، رفيقه في الفن والنضال منذ أكثر من 40 عاماً، يحلّ على «بيبلوس». فيلوسو (1942)، لا يزال نشيطاً وحيوياً. نصف قرن من الفن والإنتاج الغزير (عشرات الأسطوانات) لم يرهق صاحب Cê (2007)، ولم يثنه عن التجوال في العالم كأنّ المسيرة ما زالت في بداياتها.بدأ فيلوسو مسيرته مع الفن كوسيلة للتعبير عن القضايا السياسية والاجتماعية المحقّة. عشق الموسيقى البرازيلية، ومال إلى أكثر تيّاراتها معاصرةً الـBossa Nova. من الرموز المؤسسين لهذا التيار، تأثر فيلوسو بجواو جيلبيرتو، الذي مثّل مع زوجته أسترود، صاحبة الصوت الملائكي، ولويس بونفا، وستان غيتس، وأنطونيو كارلوس جوبيم، حالةً لم تشهد لها البرازيل مثيلاً في النصف الثاني من القرن الماضي.
في أواخر الستينيات، كان فيلوسو من روّاد التيار الفني الذي عُرفَ باسم tropicalismo، الذي ضمّه إلى شقيقته المغنية ماريا بيتانيا، ورفيقه جيلبيرتو جيل... اتخذت هذه الموجة من اليسار أساساً فكرياً، ومن المزج بين الموسيقى الشعبية البرازيلية والروك أند رول أساساً موسيقياً، ما عرَّضها لعداوة رموز اليمين وللديكتاتورية العسكرية، كما لانتقاد اليساريين المتزمتين، الذين رأوا في إدخال الموسيقى الأميركية إلى ثقافتهم أمراً غير مقبول.
تأثر بجواو جيلبيرتو ومزج الموسيقى الشعبية بالروك أند رول
في تلك الفترة، ونتيجة للأغاني المناهِضة للفساد والرأسمالية والقمع، تعرّض فيلوسو وجيل للاعتقال قبل أن ينفيهما النظام إلى خارج البلاد، فكانت الوجهة لندن. هكذا تعرّف فيلوسو إلى الثقافة الموسيقية البريطانية، وأحبّ موسيقى الروك، لكنه لم يرَ في المجتمع الإنكليزي ما يبقيه بعيداً عن حرارة الوطن الأم، فعاد عام 1972 بعد سنتين من الهجرة القسرية.
يُعدّ فيلوسو اليوم من الفنانين الشعبيّين الملتزمين الذين طبعوا العصر الحديث، ومثّلوا بوصلةً فكرية وفسحة فنية لأجيال من الشباب الثائر. عازف الغيتار وصاحب الصوت المعبّر كتب عشرات الأغنيات من خلفية يسارية وفلسفية اكتسبها من دراسته الفلسفة، وتأثره بجان ـــــ بول سارتر ومارتن هايديغر. موسيقياً، لم تغب الآثار اللاتينية عن إنتاجه، رغم انخراطه انخراطاً كبيراً في الروك. حتى في السنوات الأخيرة التي اعتمد فيها التركيبة الكلاسيكية لفرق الروك (غيتارات، باص كهربائي، درامز)، استطاع أن يتمايز لناحية اللحن والأداء عن كل ما أنتجه الروك منذ ولادته. هكذا تمكّن من التواصل عبر النغمة والتعبير عن المعنى من خلال الأداء، مع جمهورٍ لا يتقن لغة المستعمِر البرتغالية، بما أنّ نصوصه الإنكليزية قليلة جداً.
هذا المساء، سيطل فيلوسو بهدوئه وبابتسامته المعتادة. سيغنّي من جديده وقديمه. وربما، لن ينسى توجيه رسائله السياسية، فهو، كعادته، لا يفوّت فرصة للاستهزاء، وخصوصاً بعهود بوش الثلاثة.
بشير...

8:30 من مساء اليوم ـــــ «مهرجانات بيبلوس» (جبيل/ لبنان) ـــــ للاستعلام: 01/999666