هالة نهرا
الموسيقيّون يأتون ويرحلون، ولا أحد يلتفت إليهم. عازف الترومبون والعود ميشال أسعد، الذي كرّس حياته للعزف وتعليم الموسيقى، شُيّع إلى مثواه الأخير، يوم السبت الماضي. مرسيل خليفة وأندريه الحاج وهاني السبليني وجميلة حسين وآخرون... كانوا هناك. ذهبوا إلى عيتنيت (البقاع الغربي) لحضور المشهد الأخير. لم يأتِ إلى المأتم أيّ ممثّل عن «المعهد الوطني العالي للموسيقى» (الكونسرفاتوار) أو عن «نقابة الموسيقيين»! كأنّ القيام بأدنى الواجبات أمسى فعلاً بصيغة الماضي، في وطنٍ تُهدر فيه حقوق الفنّانين. لعلّ ميشال أسعد كان يفضّل أن تعلو أصوات الأبواق وتُقرع الطبول، بُعيد انسحابه الطوعيّ من معركة عبثية مع المرض. كيف لا، وقد أفنى أيّامه بحثاً عن نوتة هاربة. «ميشال كان تلميذي في الكونسرفاتوار، علّمتُه العزف على العود (1973)، ثمّ التحق بدار المعلّمين حيث تخصّص في العزف على الترومبون»، يقول مرسيل خليفة. ويضيف: «لقد شارك في تأسيس «فرقة الميادين»، وكان سبّاقاً إلى استنباط طريقة لاستخراج ثلاثة أرباع الصوت من الترومبون».

عزف الموسيقي الراحل مع زياد الرحباني، وأسهم في تأسيس «الميادين» مع مرسيل خليفة

«ربع الصوت» الذي اكتشفه ميشال أسعد في آلته الغربية، مثّل عاملاً مهمّاً بالنسبة إلى «مشروع الجاز الشرقي». وقد أشركه زياد الرحباني في معظم حفلاته وتسجيلاته مع فيروز (1981 ـــــ 2000)، وفي أعمال عزفية ومسرحية («لولا فسحة الأمل» مثلاً). «تحية إلى ميشال أسعد... يحاول التركيز على ربع الصوت لاستباق الإمبريالية في تبنّيها خصائص تراثنا وتصديرها إلينا»، قال زياد مرةً. كلام يعبّر عن افتتان الرحباني بتقنيّات الراحل العزفية، إذ إنّه لم يذُب في تيّار الموسيقى الغربية أو «الاستشراقية»، كما يحلو لزياد تسميتها.
اشتهر ميشال بعزفه على الترومبون أكثر من العود، رغم براعته في تأدية أصعب ما يمكن أن يدوّن للعود («موسيقى على قيد الحياة من بيروت» لزياد الرحباني، مثلاً). كان أسعد عضواً في «الأوركسترا السمفونية الوطنية»، وقد تعاون مع منصور الرحباني (مسرحية «صيف 840»)، وغدي ومروان الرحباني («ألو بيروت»)، وجوليا بطرس. أسّس «كورس الغناء التراثي» في مدرسة «زهرة الإحسان» حيث درّس مادّة الموسيقى 18 عاماً. «كان عصاميّاً، وغيابه يولّد فراغاً لن يمتلىء بسهولة»، تقول رئيسة «حلقة الحوار» جميلة حسين. عازف الباص الكهربائي والموزّع عبود السعدي، لم يصدّق الخبر. أمّا مرسيل خليفة، فخاطب صديقه سائلاً: «لم تقُل لي إنّك ضجرتَ من الوجود (...). هل هزّكَ الحنين إلى البياض»؟