بيان احتجاجي يندّد بقرار المنعالجزائر ـــ سعيد خطيبي
ما زالت واقعة «أم درمان» التعيسة الذكر، وتداعيات المباراة التأهيليّة لكأس العالم التي جمعت منتخبي الجزائر ومصر، تلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين. بعدما هدأت نسبياً شعبوية الحرب الإعلامية، وسلسلة تراشق الاتهامات والاتهامات المضادة، ها هي الثقافة تتحوّل مسرحاً للمواجهة، بدلاً من أن تكون جسراً للتقارب والتفاعل والحوار. لقد قرّرت وزارة الثقافة الجزائرية منع الناشرين المصريين من حضور فعاليات الدورة الـ15 من «معرض الجزائر الدولي للكتاب» الذي يفتتح في 26 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، ويستمر حتى 6 تشرين الثاني (نوفمبروفي وقت كان يُتوقّع فيه أن يرضخ الطرفان لمنطق العقل، ويسعيا إلى تلطيف الأجواء، وإعادة المياه إلى مجاريها، وخصوصاً بعد زيارة المجاملة التي قام بها أخيراً الرئيس حسني مبارك لنظيره الجزائري، تكهربت مجدداً الأجواء بعدما كشف إسماعيل أمزيان، محافظ معرض الجزائر للكتاب عن قرار منع الناشرين المصريين من حضور التظاهرة نفسها. ثم أصدر تعليمات تمنع جميع الناشرين العرب والأجانب المشاركين من عرض كتب الناشرين المصريين!
جاء قرار أمزيان بإيعاز من مسؤولي وزارة الثقافة، المشرف الفعلي على الصالون، بحجة تجنّب «إثارة الرأي العام وتفادي وقوع انزلاقات وردود فعل خشنة». وصرح قائلاً: «لا أستطيع استضافة أناس شوّهوا صورة الجزائر وشهدائها وتاريخها. وخصوصاً أننا لاحظنا تورّط مثقفين مصريين في الحملة الإعلامية نهاية السنة الماضية». وأضاف أمزيان (بصيغة المتكلّم) إنّه استمد قراره بعيداً عن الضغوط الرسمية، وتعامل مع القضية من منطلق كونه مواطناً جزائرياً، قبل أن يكون مشرفاً على معرض الكتاب. ورغم إقراره بالعلاقات المهنية الثنائية التي تربطه ببعض الناشرين المصريين، فقد تابع: «إدارة المعرض حرّة في استضافة من تشاء».
ويحاول بعض المعنيين تبرير موقف أمزيان، بحرص عام على تجنيب الناشرين المصريين المشاكل المحتملة التي قد تقع مع زوار المعرض. فيما يرى معظم المثقفين الجزائريين، والمعنيين بصناعة الكتاب هنا، أنّه يبقى قراراً متسرعاً، ينمّ عن سوء فهم خطير للثقافة ودورها. هل نذكّر بأنّ مصر استضافت الجزائر خلال الدورة الأخيرة من «معرض القاهرة الدولي للكتاب» (ك2/ يناير 2010)؟ هل من ضرورة للإشارة إلى المكانة والحضور المهمّين للناشرين المصريين على امتداد الدورات السابقة من المعرض الجزائري؟ خلال دورة السنة الماضية وحدها، بلغ عدد المشاركين من مصر ستين ناشراً.
وما إن خرج قرار إسماعيل أمزيان إلى العلن، حتى بادرت مجموعة من المثقفين والكتّاب الجزائريين، من بينهم الروائيان سمير قسيمي وكمال قرور، إلى إصدار بيان يعربون فيه عن احتجاجهم على عدم توجيه الدعوات إلى الطرف المصري من جانب وزارة الثقافة الجزائرية للمشاركة في المعرض. وجاء فيه: «في عصر تضاءلت فيه المسافات، وامّحت الحدود بفعل التكنولوجيا والاتصالات والعالم الافتراضي، ما زالت بعض العقليات المتحجّرة تصر على مباغتتنا بتصرّفات جاهلية ودعوات لمقاطعة كتب الآخر. والغريب هنا أن يكون هذا الآخر هو المصري أو الجزائري....». وفي السياق ذاته، أعربت الروائية فضيلة الفاروق عن استغرابها، وصرّحت قائلة: «إن كان المنع بسبب أمن المصريين، فيجب أن يوضع الناشر المصري أمام خيار المشاركة على كفالته، لكن أن يُمنع لأسباب متعلقة بـ «الانتقام» فهذا يبدو مستهجناً في عالم الفكر والثقافة، بل مثيراً للخجل أيضاً».

في الدورة الماضية وحدها، بلغ عدد المشاركين المصريين في الجزائر ستين ناشراً

هكذا، بعدما أثار إسماعيل أمزيان العام الماضي جدلاً واسعاً بسبب نقل مكان فعاليات المعرض من قصر المعارض (الصنوبر البحري) إلى «المركّب الأولمبي 5 جويلية»، بعيداً عن وسط المدينة والتجمعات السكانية، وتحت خيام أقامتها إحدى الشركات الخاصة... ها هو يبرز مجدداً مع قرار المنع الذي أثار قلق اتحاد الناشرين المصريين. إذ وجّه هذا الأخير رسالة إلى اتحاد الناشرين العرب، جاء فيها: «تعوّدنا أن تصلنا دعوات المشاركة في هذا المعرض بأسماء الناشرين المصريين في حزيران (يونيو) من كل عام على عنوان الاتحاد. وهذا العام لم تصلنا الدعوات حتى تاريخه، وقد تواصلنا مع اتحاد الناشرين العرب وزملائنا الناشرين السوريين والأردنيين، وعرفنا أنه أُرسلت دعوات المشاركة في معرض الجزائر إلى الجميع، باستثناء الناشرين المصريين».
حتّى الآن لم تنفع مبادرات المساءلة والنقد والاستنكار. لقد أعلن إسماعيل أمزيان لـ«الأخبار»، تمسّكه بقرار «المنع»، وهو يمثّل في نظره امتداداً لاستبعاد الحضور المصري في الدورة الأخيرة من «المهرجان الدولي للأدب وكتاب الشباب» الذي أقيم قبل شهرين، بعدما سجل الأدباء المصريون في دورة عام 2009، حضوراً لافتاً من خلال الشاعر عماد فؤاد و الروائية منصورة عز الدين.