لا تكاد «سيرة» الحفريات تغيب عن الطرقات، حتى تعود بقوة مع كل حادثة سير تنتهي بموت عابر. حفر لا تترك طريقاً واحدة في لبنان سالمة، فهي تكاد تكون الوحيدة العابرة للمناطق، كما في الشمال، كذلك في البقاع والجنوب، حيث بين الحفرة والحفرة حفرة «زيادة».في البقاع، أقل ما يقال عن طريق الشام الدولية الممتدة من ضهر البيدر حتى المريجات، ومن تعنايل لجهة المصنع حتى ديرزنون الروضة وعنجر، إنها «طريق قدومية مخندقة»، لكثرة الحفر فيها. هناك، على الطريق الدولية بالاسم، لا يهنأ السائق بالسير بضع عشرات من الأمتار من دون أن تسقط سيارته في حفرة، أو تصطدم بـ«ترقيعة نافرة».
إبراهيم حسن، سائق سيارة أجرة تعمل بين شتورا وبيروت، يعرف كيف يشرح حال الطريق ومخاطرها، هو الذي سقط «مراراً في الحفر». ولئن كان حسن قد حفظ مواقع تلك الحفر، فإن أكثر ما يخيفه «الحفر المختبئة عند المنعطفات، أو تلك المنتشرة عند المنخفضات». أما أسوأ ما قد يواجهه سائقو «التاكسي» على تلك الطريق، فهو وقوفهم عند خيارين: إما السقوط في الحفرة وتحمّل أعباء إصلاح ما ينتج من أضرار، وإما تجنب السقوط فيها «بس بيفوت فيك حدا من ورا، كما حصل معي منذ 20 يوماً، وكلفني ذلك 500 دولار تصليح»، يقول حسن. لا يأسف الرجل لحاله لكونه قد حفظ الحفر، بقدر ما يأسف لحال «العابرين عليها لأول مرة من لبنانيين وعرب وأجانب، لأنها الطريق الوحيدة التي تربط بيروت بغيرها من الدول المجاورة»، موجهاً عتباً إلى «المسؤولين ونواب المنطقة، الذين يعبرون هذه الطريق، وتسقط سياراتهم في تلك الحفر، ويشاهدونها من دون أن يحرّكوا ساكناً».
حال سائقي السيارات والفانات العمومية بين شتورا وبيروت لا تختلف عن حال العاملين على خط البقاع الغربي. فقد بات محمد الظاظا، سائق السيارة العمومية على خط شتورا ـــــ راشيا الوادي، يحسب «ألف حساب للتوصيلة، فمع ازدياد الحفر نبدأ بالبحث عن طرقات أخرى قد تكون طويلة في بعض الأحيان، وتكلفنا الكثير من البنزين».
أما الطريق بين المرج وعنجر، «فبدّك تكتب عليها طريق لتعرفها طريق»، يقول أحد العابرين، هو الذي يسلكها يومياً، نظراً إلى عدم وجود طريق بديلة. أما سبب الحفريات، فهو عمل ورش وزارة الأشغال العامة والنقل، التي «تجرف وتحفر ولا تعبّد».
لم تسهم الحفر في إحداث أضرار في السيارات فقط، فللمحالّ التجارية المنتشرة على جانبي الطريق، وتحديداً في منطقتي برالياس ودير زنون، نصيبها من الأضرار أيضاً. «بالشتا غريق، وبالصيف غبار»، هكذا وصف صاحب محل الألبسة علي حسين حال ما يُخلّفه سوء وضع الطريق، لافتاً إلى أنه «بسبب وضع الطريق، وخاصةً في أوقات الشتاء، يتراجع عملنا، لأن الطريق موحلة، وفي الصيف «بنضل ننفض البضاعة من الغبرة». ولكل هذا، يضع اللوم على وزارة الأشغال بعدما «راجعنا البلدية في الأمر وقالت هذه الطرقات من اختصاص وزارة الأشغال».
حال طرقات البقاع لا يمكن أن تتميز بشيء عن طرقات الشمال، ومنها حال الطريق الدائرية في زغرتا. فسالكو تلك الطريق يتملّكهم الخوف من مجرد عبورها. دائماً الانطباع نفسه: نخاف ألّا نرجع إلى بيوتنا. هذه هي حال الكثيرين. أما السبب، فهو «الانتشار الكثيف للحفر» في وسط الطريق وعلى جانبيها. ورغم أن البعض اعتادوا التعامل باحتراف مع تلك الحفر، وحفظوا أماكنها غيباً، لا يمر يوم من دون الوقوع في إحداها، وخاصةً عندما تضيع الحفر تحت زخات المطر، وتمتلئ بالمياه الموحلة، ولا يعود باستطاعة أحد تحديد مكانها. ولا تخفى على القادمين من بلدة أرده الى زغرتا، الحفرة الكبيرة التي تتوسط الطريق، ولا شيء يشير إلى وجودها سوى العشب البري الذي نبت على أطرافها، من دون أن يبادر أحد الى تأهيلها. وتمثّل هذه الحفرة، التي تتوسط طريق المرداشية باتجاه زغرتا، قمة الإهمال، بعدما مر على وجودها وقت طويل من دون أن يحرك أحد ساكناً. كل هذا، والطريق هي الأساس التي تمتد مسافة 5 كيلومترات، من قصر الرئيس الراحل سليمان فرنجية مروراً ببلدات وقرى كفردلاقوس وبيادر رشعين ورشعين وحرف أرده والسويدات وشارع البطريرك اسطفان الدويهي، وصولاً إلى معهد زغرتا الفني على الأوتوستراد المؤدي إلى مدينة طرابلس. وإذا كانت بلدية رشعين قد أهّلت الطريق التي تمر وسط البلدة عبر ترقيعها بالإسفلت، فإنّها بقيت في البلدات الأخرى من دون تأهيل وتتآكلها الحفر. أما وزارة الأشغال، فلا وظيفة لها إلا «التحفير».