خلال هذا الشهر، ستردّد باريس اسم صور. في الثامن عشر منه، ترعى كل من وزارات الداخلية والمالية والثقافة والشؤون الخارجية ومديرية الأمن الداخلي ووسائل الإعلام الفرنسية، إجراء اليانصيب الدولي على لوحة «الرجل بقبّعة الأوبرا» للرسام العالمي بابلو بيكاسو، في دار «سوذبي» في العاصمة باريس.
الجمعية الدولية للمحافظة على صور أطلقت قبل أشهر حملة المشاركة في اليانصيب على اللوحة التي اشترتها من حفيد بيكاسو، لتعيد عرضها للبيع. والهدف، استخدام ريع عائدات اليانصيب في تمويل مشاريع إنمائية وثقافية في صور. حتى الآن، لا تزال فرصة المشاركة سانحة للعموم حول العالم عبر التواصل مع الجمعية على شبكة الإنترنت. بمبلغ مئة يورو، يمكن مَن يرغب شراءُ بطاقة يانصيب وفرصة الحصول على اللوحة التي رسمت عام 1914 وتبلغ قيمتها مليون دولار أميركي. رئيسة الجمعية مهى الخليل، توقعت في حديث لـ«الأخبار» أن تجمع الحملة نحو خمسة ملايين يورو، ستخصّصها الجمعية لتنفيذ مشروعين إنمائيين في صور. الأول، معهد متعدّد للدراسات الكنعانية والفينيقية والبونية. والثاني، مركز لتنمية الحِرف التقليدية يمنع زوال التقنيات القديمة ويقدم المساعدة للحرفيين.
إذاً، ينشغل بعض الناس في الخارج بمدينة صور وتنميتها. لكن ماذا عن الصوريين أنفسهم؟
خلال جولة «الأخبار» لاستطلاع رأي المدينة قبل أيام من الحدث، فوجئنا بأن معظم الفعاليات والهيئات لا علم لها في الأساس. علماً بأن شريطاً إعلانياً يبث منذ أشهر على وسائل الإعلام المحلية يدعو للمشاركة في اليانصيب. قصدنا رئيس بلدية صور حسن دبوق وفي ظننا أنه، أو ممثل عن المجلس البلدي، سيكون حاضراً في حفل سحب اليانصيب. لا يملك دبوق أو بلديته أي معلومة تتعلق بالأمر. يقول إنه لم يتلق معطيات رسمية من وزارتي السياحة والثقافة اللتين من المفترض أن يكونا قد تبلّغا من الجمعية طلب رعاية الوزارتين في فرنسا. من هنا، رأى أن المشروع «وهمي وضبابي وغير معروف المصدر ومن يدعمه». يؤكد دبوق أنه لا يعارض أي مشروع يسهم في تأهيل المدينة، على أن يتم في سياق الخطة العامة لتطويرها. لكنه أبدى خشيته من «استغلال اسم صور ورصيدها العالمي في مشروع لا علاقة للمدينة به ويقع الناس ضحية عملية غير واضحة». برأيه، نشاط كهذا «يجب أن ينسّق مع الوزارات المختصة والأونيسكو والبلدية. لكنه لم يطرح علينا ولا نعرف مدى انسجامه مع مشروع الإرث الثقافي الذي ينفذ حالياً في صور بإشراف جهات دولية وتمويلها، ومنها وكالة التنمية الفرنسية» يقول.
اتهام دبوق بوهمية المشروع والغايات الشخصية منه، استفز الخليل التي ذكّرت باثنين وأربعين عاماً أمضتها في خدمة مدينتها. وأوضحت أن اليانصيب «مبادرة خاصة من الجمعية نال موافقة الحكومة الفرنسية بعدما جالت المعاملات اللازمة على وزارات الداخلية والمالية والثقافة والخارجية». ولفتت إلى أن وزارة المالية التي ستشرف على حفظ المال وإجراءات السحب مع لجنة خبراء ومراقب قانوني تعيّنه مديرية الأمن الداخلي في باريس «افتتحت حساباً خاصاً تحوّل إليه مباشرة عائدات البطاقات المبيعة».
مع اقتراب موعد السحب، قد تتحول لوحة بيكاسو إلى قضية خلاف جديدة في صور تستثمر سياسياً. فالبلدية، ومن خلفها «أمل»، خاضت نزاعات عدة مع الخليل التي تنتمي إلى العائلة ذات النفوذ السياسي السابق في المدينة. النزاع الأخير سجل قبل أشهر قليلة؛ إذ تقدمت الخليل بشكوى أمام وزارتي الأشغال العامة والنقل والثقافة لمنع تشييد مبنى الصيادين على رصيف ميناء صور، في إطار مشروع الإرث الثقافي. وقدمت وثائق تثبت أن المبنى السابق أنشئ على بقايا المرفأ الفينيقي. في المقابل، حشدت البلدية التي يشترط موافقتها على المشروع، تقارير تدعم أسبابها التي أوجبت موافقتها. حصيلة النزاع كانت تجميد تشييد المبنى وتعديل تصميمه الهندسي.