فضحَ كشفُ عصابة «التيك توكرز» المتّهمة باستدراج عشرات الأطفال واغتصابهم وابتزازهم هشاشة نظام حماية الأطفال في لبنان، سواء لجهة ضبط استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو لجهة توفير التوعية الجنسية والدعم النفسي الاجتماعي لضمان جهوزيتهم لدخول العالم الافتراضي وحمايتهم من أي استغلال إلكتروني. وكما في كل حادثة مماثلة، يكون تدخّل مؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية والجهات المعنية بعد وقوع الواقعة، وغالباً ما تنتهي صلاحيته بعدما تبهت التغطية الإعلامية للحادثة.كرّ سبحة المتورطين في الشبكة من أسماء «مؤثّرة» في مواقع التواصل، أثار «الهلع» ربطاً بمسرح الجريمة (السوشال ميديا) واتخاذها طابعاً جماعياً، نظراً إلى الوقت الطويل الذي يمضيه الأطفال على وسائل التواصل وجهل الأهالي بكيفية ضبط استخدامها بما يتناسب مع كل فئة عمرية.
منذ البداية، توجّهت الأنظار إلى تطبيق «تيك توك» الذي استخدمته العصابة فصدرت مطالبات بحذفه، وأشيع في وسائل إعلامية بأن النيابة العامة وجّهت كتاباً إلى وزارة الاتصالات لوقف التطبيق، وعن الدعوة إلى جلسة نيابية للتصويت على هذا القرار. إلا أنّ وزير الإعلام زياد المكاري ينفي «كلّ هذه الشائعات» مشيراً إلى «أن المطلوب مناقشة أهل الاختصاص في هذه المسألة». وأوضح أن «حذف «التطبيق هروب من المشكلة خصوصاً مع إمكان استخدام الشبكة الخاصة الافتراضية (VPN) للوصول إلى أي تطبيق مقيّد، وهو ما يحصل في بلدان أخرى حجبت تطبيقات معيّنة»، كما «أنّ الابتزاز والاستغلال يمكن أن يقعا عبر تطبيقات أخرى مثل فايسبوك وإنستغرام وواتساب وغيرها». لذلك، بدلاً من حذف «تيك توك» يسعى المكاري إلى ضبط استخدامه، وهي «مهمة صعبة». وذكّر بأنه أعلن بعد فضح العصابة عن تواصله مع أفراد «مكتب تيك توك» في دبي ودعوتهم لزيارة لبنان «للتعرّف إلى آلية الضبط والرقابة وتفعيل حظر الحسابات المشكوك في أمرها، وتدريب الإعلاميين والمؤسسات التربوية حول التوعية الإلكترونية، ومناقشة افتتاح مكتب لتيك توك في لبنان». وأكّد أنّ مفتاح «المواجهة يتمثّل في التوعية المجتمعية التي يقوم بها الأهل والمؤسسات الإعلامية والثقافية والتربوية». أما الأهل، فتلخّص المعالجة النفسية في المركز اللبناني للعلوم النفسية والاجتماعية «نفسانيون» نانسي القاروط دورهم في «بناء علاقة حبّ وثقة مع أطفالهم، وتثقيفهم جنسياً بحسب عمرهم، وتوعيتهم على أهمية الحفاظ على جسمهم وحمايته، ودعمهم عندما يتعرّضون لأي اعتداء جنسي، وعدم التشكيك في صدق مشاعرهم عندما يبوحون بالتعرّض للاعتداء». وتربوياً، نظّمت مدارس خاصة نشاطات ومحاضرات لتوعية التلامذة وأهاليهم حول استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
بحسب مديرة الإرشاد والتوجيه في وزارة التربية هيلدا خوري، فقد أطلقت الوزارة «سياسة حماية الطفل في البيئة المدرسية منذ عام 2018. وطوّرت مع المركز التربوي للبحوث والإنماء فيديوهات موجّهة للطلاب والأهالي حول سلامة استعمال الإنترنت وآلية التعرف إلى الاستغلال الإلكتروني والإبلاغ عنه، إضافة إلى تدريب أفراد الهيئة التعليمية في المدارس والثانويات على حماية التلميذ، على أن تُستكمل في المدارس الخاصة». كما فعّلت وزارة التربية الخط الساخن (01772000) للتبليغ عن حالات العنف بما فيها الاستغلال والابتزاز الجنسي، داخل البيئة المدرسية، أو في العالم الافتراضي، حيث «يتلقّى المبلّغون الدعم النفسي الاجتماعي والتوجيه اللازميْن، وتُتابع الحالة داخل الوزارة أو عبر التنسيق مع القوى الأمنية والجهات المختصة».


جريمة إتجار بالبشر؟
لم يصدر عن النيابة العامة بعد التوصيف الجرمي لعصابة «التيك توكرز» والذي «يتدرّج من الجنحة وعقوبتها تراوح بين ستة أشهر وسنة سجنية، والجناية التي تراوح عقوبتها بين 5 و15 سنة سجنية في حال أخذت طابع الإتجار بالبشر على أساس الاستغلال الجنسي»، كما تقول رئيسة الشؤون القانونية والمناصرة في قسم مناهضة الإتجار بالبشر في منظمة «كفى عنف واستغلال» موهانا إسحاق. وتُصنّف الجريمة إتجاراً بالبشر بتوافر ثلاثة عناصر: «الفعل (استدراج أو استقطاب أو تجنيد...)، الوسيلة (الإكراه، الخداع، استغلال حالة الضعف، السلطة الأبوية...) والغرض (أهداف جنسية أو مادية...). ويكفي توفر عنصرَي الفعل والغرض في حال كانت الضحية من القاصرين، لأن الإرادة والوعي يكونان منقوصيْن لديها».