اختتمت بعثة صندوق النقد الدولي زيارتها للبنان ببيان، خلاصته أن الاقتصاد اللبناني في وضع سيّئ بسبب طريقة التعامل مع الأزمة المصرفية بشكل أساسي، فضلاً عن تداعيات الحرب في غزّة وانعكاساتها على لبنان. لكن ما يطرحه صندوق النقد علناً غير واضح، بينما يظهر أنه يتعامل مع أزمة كهذه بالنظر إلى المؤشرات المالية والنقدية حصراً، وهذا ما يجعل اقتراحاته في كل البلدان متشابهة ويُطلق عليها «الوصفة».يتحدّث صندوق النقد بشكل إيجابي عن إجراءات مصرف لبنان، معتبراً أنه كان لها دور أساسي في تدارك استمرار انهيار العملة، مشيراً إلى أنه «تمّ إحراز بعض التقدم في الإصلاحات النقدية والمالية منذ آخر مشاورات مع الصندوق. التدابير السياسية التي اتخذتها وزارة المالية ومصرف لبنان – بما في ذلك الإلغاء التدريجي للتمويل النقدي للموازنة، وإنهاء منصة الصيرفة، والسياسة المالية المتشددة، والخطوات نحو توحيد أسعار الصرف – ساعدت على احتواء انخفاض سعر الصرف، واستقرار المعروض النقدي، وبدأت تحدّ من الضغوط التضخمية».
الواقع، أن هذا الادّعاء قد لا يكون دقيقاً لأن استقرار سعر الصرف حدث بعد دولرة الأسعار في الاقتصاد، وهو ما أسهم في تحوّل التعاملات النقدية في البلد من الليرة إلى الدولار، وهذا ما سمح لمصرف لبنان، إلى جانب الإجراءات الضريبية في الموازنة، بسحب كتلة وازنة من المعروض النقدي المتداول في السوق، ولم يكن هذا الأمر انعكاساً لوقف منصة صيرفة أو لتوحيد أسعار الصرف. والمشكلة في هذه الرؤية، أنها لا تأخذ في الاعتبار أن «تثبيت» سعر الصرف من دون أي إجراءات مواكبة، هو أمر وهمي لأنه يكتنز التضخّم ويدفع انفجاره إلى الأمام. كما أن التشدّد في السياسة النقدية من خلال تقشّف الموازنة واستعمال الأدوات الضريبية لسحب الليرات من السوق، ليس عاملاً مفيداً للاقتصاد بل يُعدّ عاملاً قاتلاً للاستثمار ولخلق فرص العمل ومحفّزاً للبطالة ودافعاً نحو الهجرة.
رغم ذلك، تقر بعثة الصندوق بالواقع الحالي، إذ إن «البطالة والفقر بلغا مستويات مرتفعة بشكل استثنائي، وقد تَعطّلَ تقديم الخدمات العامة الحيوية بشكل كبير»، لكنه يربط سريعاً الأمر بأن لبنان «يعاني من استضافة أكبر عدد من اللاجئين بالنسبة إلى عدد السكان في العالم، وسط موارد محدودة». وبالإضافة إلى المشاكل المستمرة منذ بداية الأزمة، تظهر «التداعيات السلبية الناجمة عن الصراع في غزة وتزايد القتال على الحدود الجنوبية للبنان التي تؤدي إلى تفاقم الوضع الاقتصادي الضعيف أصلاً»، حيث إن الحرب أدّت إلى «نزوح عدد كبير من الأشخاص داخلياً وتسبّبت في أضرار للبنية التحتية والزراعة والتجارة في جنوب لبنان».
وترى البعثة أن السياسات المتّبعة ليست كافية للخروج من المأزق الاقتصادي، لأنها «لا ترقى إلى ما هو مطلوب لتمكين التعافي من الأزمة. ولا تزال الودائع المصرفية مجمّدة، والقطاع المصرفي غير قادر على توفير الائتمان للاقتصاد، ولم تتمكن الحكومة والبرلمان من إيجاد حل للأزمة المصرفية». ويكمل البيان الختامي للبعثة، الحديث عن أهمية معالجة موضوع الخسائر المصرفية، بالإضافة إلى «حماية المودعين إلى أقصى حدّ ممكن، والحدّ من اللجوء إلى الموارد العامة الشحيحة بطريقة موثوقة ومجدية مالياً».
وقالت البعثة إن الأزمة الحالية «تتطلب بذل جهود أقوى لتعزيز وضع المالية العامة»، فلا تزال «إدارة الضرائب تعاني من نقص التمويل، ما يعيق تحصيل الضرائب... ويحول نقص الموارد دون توفير الخدمات العامة الأساسية والبرامج الاجتماعية والإنفاق الرأسمالي. كما أنه يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة ويؤثّر سلباً على تصورات العدالة الضريبية».