تتعمّد الحكومة الحالية خلق التباسات مقلقة في الإنفاق، وخصوصاً في ما يتعلق بالمنح والتقديمات المدرسية. ويؤسّس قرار تعاونية موظفي الدولة رفع هذه التقديمات خمسين ضعفاً لنهج مخالف للقوانين في هدر المال العام، إذ تستفيد من هذا الإنفاق مؤسسات تعليمية خاصة، ولا ينعكس إيجاباً على مستوى الخدمات العامة مثل التعليم الرسمي والإنماء وتعزيز قدرات البلديات والمؤسسات الصحية العامة والمنتجة.وبما أن بعض البلديات والاتحادات الخاضعة لمجلس الخدمة المدنية تعتمد التقديمات المدرسية وفق تعرفة تعاونية موظفي الدولة، فإنها ملزمة اليوم بدفع منح تعليم وتقديمات مدرسية لموظفيها في الملاك تراوح بين 700 دولار في التعليم الرسمي و1900 دولار للتعليم الخاص، وتصل في التعليم الجامعي الخاص إلى 3750 دولاراً لاختصاصات الطب والهندسة والصيدلة في الخاص.
وفي وقت تناهز فيه تقديمات الخزينة لصندوق تعاونية الموظفين الـ 158 مليون دولار (منها نحو 54 مليوناً للتقديمات المدرسية)، ما يؤمّن وفراً لتغطية المنح، تقف البلديات التي تدفع رواتب موظفيها من مخصّصاتها من الصندوق البلدي المستقل على شفير الإفلاس، في ظلّ تراجع مداخيلها من الرسوم البلدية وارتفاع مصاريفها التشغيلية بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار، فيما مخصّصاتها من الصندوق شبه محجوزة. أضف إلى ذلك انعدام تحقيق العدالة بين موظفي الإدارة العامة والبلديات. فعلى سبيل المثال، يحصل موظف في ملاك الإدارة على تقديمات من التعاونية بنحو 1500 دولار، فيما لا يكاد يصل ما يتقاضاه مستخدم لا يستفيد من تعاونية الموظفين، أو من الضمان الاجتماعي إلى 200 دولار، رغم أنهما يقومان بالأعمال نفسها! كما أن نموذج أزمة منح التعليم في البلديات قد يتكرر مع غيرها من المؤسسات والمصالح المموّلة من اشتراكات ورسوم المنتسبين ومرهون بعدم تعثّرها، وبسلطة الوصاية والقوانين التي ترعى العلاقة بينها.
يحدد المرسوم الاشتراعي الرقم 112 (1959) في المادة 27 الحدّ الأقصى للتعويضات كالآتي: «لا يجوز أن يزيد مجموع التعويضات والأجور من أيّ نوع كانت والمكافآت والعائدات التي يتقاضاها الموظف - ما عدا الانتقال والنقل - خلال سنة مالية واحدة، على 75% من مجموع رواتبه الشهرية في السنة نفسها». هذه المادة تعني أن قيمة 75% من راتب الموظف السنوي (9 أضعاف) تقارب 125 مليون ليرة، وبالتالي فإنه لن يحصل على منحة تعليمية كاملة عن الولد الثاني، كما أن الحدّ الأقصى للمنح مرتبط بأساس راتبه، ومحدود بالبند «د» من تعميم تعاونية موظفي الدولة، وإلّا خالف القانون، «باستثناء التعليم الرسمي، حيث لا يجوز أن تتجاوز قيمة المنحة المعطاة من التعاونية المبلغ المدفوع من المنتسب».
غير أن التعميم لم يشر إلى حدود قصوى للتقديمات المدرسية ولا إلى عدد أقصى للأولاد، وكأن الهدف منه إيهام الموظفين بإغداق المساعدات التعليمية عليهم. هذه الفوضى الإدارية التي تعتمدها الحكومة هدفها تضليل كل الأجهزة الرقابية والمحاسبية المعطّلة عمداً بسبب شحّ الموظفين والقضاة والمفتشين، والتي يفترض أن تراقب أداء السلطة التنفيذية والوزارات والمؤسسات والمصالح العامة الخاضعة لمجلس الخدمة المدنية المموّلة من المال العام.
سيُفاجأ موظفو القطاع العامّ بمحدوديّة المنح التي نصّ عليها «التعميم الملتبس»


تعاونية موظفي الدولة هي واحدة من المؤسسات والمصالح العامة الـ 24 الخاضعة لوصاية رئاسة الحكومة، وبالتالي، رفع التقديمات المدرسية خمسين ضعفاً هو قرار رئيس الحكومة وليس التعاونية، ويهدف إلى إسكات موظفي القطاع العام الذين سيُفاجأون بمحدودية المنح، فمن لديه 3 أولاد لن يحصل قانوناً على أكثر من 125 مليون ليرة (حسب أساس الراتب). أما من ينتمون إلى البلديات، على سبيل المثال، فلن يحصلوا إلا على القيمة التي تسمح بها وزارة الداخلية إذا توفرت في صناديقها.
نظام اللاعدالة يتضخّم، بينما الحل وكلفة الحلول الناجعة أقلّ بكثير من العشوائية في التعاميم وخرق القوانين. فإقرار سلسلة رتب ورواتب جديدة يكون أساساً لضبط منظومة المنح والتقديمات المدرسية والاجتماعية لدعم القطاع الخاص عبر موظفي القطاع العام، ويعيد توجيه الإنفاق المهدور نحو دعم التعليم الرسمي والخدمات العامة والإنتاج والإنماء ودعم البلديات واستعادة دورها الإنمائي وشمول كل الموظفين في الإدارات العامة والبلديات والمؤسسات والمصالح العامة بنظام تقديمات موحّد، كل ذلك يبقى أقلّ كلفة من تشعيب المراسيم والقوانين وتشابكها.

* باحث في التربية والفنون