النزاع العقاري بين بلدتي فنيدق وعكار العتيقة على ترسيم خراج البلدتَين في منطقة القموعة يبقي شبح الحرب مخيّماً فوق هذه المنطقة التي شهدت اشتباكات عنيفة قبل عامين على خلفية هذا النزاع، وتبقى احتمالات تجدد الاشتباكات مفتوحة لدى وقوع أي حادث، كما في جريمة مقتل ابن عكار العتيقة أحمد درويش أخيراً. فبعد 16 يوماً من حبس الأنفاس إثر العثور على جثة درويش في جرود القموعة، حسمت القوى الأمنية بأن الأخير قُتل على يد أحد الموقوفين من أبناء بلدته، هو ع. درويش (عم الضحية)، وهو كان من ضمن مجموعة مسلّحة اعتادت أن تقصد القموعة ليلاً، وتطلق النار لإرهاب السياح الذين يقصدون مقاهيها ومطاعمها بسبب الخلاف العقاري المزمن على المنطقة. فيما أكّد رئيس بلدية فنيدق سميح عبد الحي «أننا نملك داتا بالمتورطين بهذه الأعمال وسنقوم بالادّعاء عليهم لدى القضاء المختص».وعلمت «الأخبار» من مصادر مطّلعة أن تقرير الطبيب الشرعي أكّد تعرض الضحية لإطلاق نار من سلاح حربي من مسافة نحو متر، وأنه أصيب بطلقتين أو ثلاث مرّت عبر الكتف الأيسر إلى الرقبة ومنها إلى الوجه من اليسار إلى اليمين ونفذت إلى الجمجمة والعين اليمنى، ما يرجّح أن إطلاق النار جاء من أحد الذين كان برفقتهم، خصوصاً أنه عُثر مع الضحية على سلاحه الحربي وجعبته وجهاز لاسلكي.
وفي معلومات خاصة لـ«الأخبار» أن القوى الأمنية في فرع المعلومات في الشمال تمكّنت من تحديد هوية القاتل الذي اعترف بفعلته، وستقوم بإعلان التفاصيل خلال ساعات. وقد حامت الشبهات منذ البداية حول من كانوا مع الضحية، والذين تم استدعاؤهم إلى التحقيق. وقد تم توقيف م. ميتا، فيما سلّم عضو لجنة الصلح ياسين جعفر الأحد ع. درويش إلى فرع المعلومات بعدما توارى عن الأنظار عقب مشاركته في الدفن. وفي التفاصيل، أن القوى الأمنية عملت منذ البداية على فرضية أن القاتل هو من ضمن المجموعة التي كانت ترافق درويش الذي عثر على جثته راعي أغنام من بلدة فنيدق على مسافة 100 متر من مركز للجيش، ما أثار تساؤلات حول ما حدث، وعن سبب تواري عم الضحية. وبعد تعقّب داتا الاتصالات ورصد حركة السيارات عبر كاميرا مراقبة للجيش في المنطقة تم الكشف عن ملابسات الجريمة.
الإعلان الصادر عن فرع المعلومات ترك ارتياحاً لدى فاعليات عكار، خصوصاً في فنيدق التي تنفّست الصعداء، بعد الشائعات التي رافقت العثور على جثة درويش عن تعرضه للتعذيب والتنكيل رغم نفي تقرير الطبيب الشرعي، ما أدى إلى تصعيد للتوتر مع «حرب» افتراضية كان يمكن، في أي لحظة، أن تعيد إحياء خطوط التماس بين البلدتين اللتين شهدتا اشتباكات عنيفة تخللتها عمليات أسر، في آب 2021، بعد مقتل المهندس رامي البعريني على خلفية قيام أحد أبناء فنيدق بتقطيع الحطب في منطقة تابعة عقارياً لعكار العتيقة. وهو ما دفع مفتي عكار زيد بكار زكريا إلى إصدار بيانات متتالية يحذر فيها من الفتنة، مؤكداً «أن مواقع التواصل الاجتماعي ليست مكاناً لعلاج النزاعات، ولا يجوز علاج الخطأ بالخطأ، كما لا يجوز أن نجعل الأرض أغلى من الدماء والأعراض».
كشف ملابسات جريمة القموعة جنّب المنطقة تجدّد الحرب بين فنيدق وعكار العتيقة


ويعود الخلاف العقاري على ترسيم خراج البلدتَين الى السبعينيات، ولم تنجح الأحكام القضائية التي لم تُنفذ في إنهائه، إذ يتمسك أبناء عكار العتيقة بملكيتهم للأراضي بموجب سندات منذ عام 1911، فيما يؤكد أبناء فنيدق أن «القموعة خط أحمر» وأن الحدود مرسومة طبيعياً. ولم تنجح وساطات الفاعليات السياسية والدينية ونواب تيار المستقبل ومفتي عكار الشيخ زيد بكار زكريا في الوصول إلى نتيجة مقبولة من الجانبين. ورغم الشكاوى المتكررة لفاعليات عكار العتيقة لدى الرئيس سعد الحريري ومناشدته التوسط للحل، حيث تمكنوا قبل انتخابات عام 2018 من انتزاع وعد منه بحل الخلاف، إلا أن رئيس الحكومة آنذاك اعتمد سياسة غضّ النظر والتسويف حتى سُفكت الدماء، وأدّت قبل عامين إلى مقتل الشاب رامي البعريني من فنيدق والشاب غازي ميتا من عكار العتيقة، وعلى أثر الحادثة تم توقيف شخصين من عكار العتيقة لا يزالان يخضعان للمحاكمة.