في الحوار الذي عقده الحزب الشيوعي الصيني مع الأحزاب العالمية في آذار الماضي، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ مُبادرة الحضارة العالمية، مُؤكّدًا على احترام تنوع الحضارات، والتمسك بالمساواة، وتجاوز الفوارق والصراعات بين الحضارات عبر التواصل والتنافع والتسامح. ودعا إلى تكريس القيم المشتركة للبشرية المتمثلة في السلام والتنمية والإنصاف والعدالة والديمقراطية والحرية، التي تعدّ من التطلعات المشتركة لشعوب العالم. فمن المهم أن تبقى الدول منفتحة لفهم محتويات القيم لدى الحضارات الأخرى، بدل فرض قيمها وأنماطها على الغير أو ممارسة المجابهة الأيديولوجية. علينا أن ندعو سويا إلى الاهتمام بتوارث الحضارات وإبداعها، وتكريس القيمة العصرية لتاريخ كافة الدول وثقافاتها، والدفع الى تحقيق التحول المبتكر والتطور المبدع للثقافات التقليدية المتميزة لكافة الدول في عملية التحديث. وكذلك إلى تعزيز التواصل والتعاون الدوليين في المجال الإنساني والثقافي، والبحث في بناء شبكة التعاون للحوار بين حضارات العالم، وإثراء مقومات التواصل وتوسيع قنوات التعاون وتعزيز التعارف والتقارب بين شعوب العالم، بما يدفع إلى تطور الحضارة البشرية وتقدمها. مبادرة الحضارة العالمية تغني وتوسع سبل الممارسة لبناء مجتمع المصير المشترك للبشرية مما يوفر مزيداً من الإرشاد والإلهام الفكري لتقدم المجتمع البشري.
يتطلب التبادل والتعلم المتبادل بين الحضارات الدعوة بشكل مشترك إلى احترام التنوع. وكما قال الرئيس الصيني، في خطابه في اليونسكو، إن الحضارات متنوعة ومتساوية وشاملة، والتنوع والمساواة والشمول التي تتمتع بها تقدم قيمة وظروفا وقوة دافعة للتبادلات والتعلم المتبادل بين الحضارات البشرية. الحضارة ليس لديها تمييز بين الأعلى والأدنى، والمتفوق والأدنى... هناك فقط اختلافات في الخصائص والمناطق.
حضارة الصين الرائعة التي تمتد الى خمسة آلاف سنة تُبهر كل من اختبرها، وحضارة لبنان ذات التاريخ العريق خلّابة أيضًا. يخبرنا التاريخ أنّ الحضارات قادرة على التعايش، وعلى التكامل من خلال التواصل، والتقدّم من خلال التكامل. ووراء كلّ من يُروّج لنظرية صراع الحضارات اعتبارات للمصلحة الذاتية، لذلك يجب أن نتمسك بتجاوز الفوارق والصراعات بين الحضارات والتفوق الحضاري عبر التواصل والتنافع والتسامح.
يتطلب التبادل والتعلم المتبادل بين الحضارات تكريس القيم المشتركة للبشرية. وأشار الرئيس شي إلى أنّ السلام والتنمية هي قضيتنا المشتركة، والإنصاف والعدالة هي مُثلنا المشتركة، والديمقراطية والحرية هي مسعانا المشترك. تمتدّ القيم الانسانية المشتركة على صعد متعددة بين الأفراد والبلدان والعالم، وتتضمن نقاطًا مشتركة لمفهوم القيم وإدراكها في الحضارات المختلفة، وتعتبر المقياس الحقيقي للحكم بين الصواب والخطأ، والخير والشر، والجمال والقبح في عالم اليوم، كما ترسم دوائر متحدة المركز للقيم تتجاوز التفاوت والاختلافات، مما يُبرز الرغبة الجماعية لشعوب جميع البلدان في حياة أفضل. أمّا في ظل التغيرات العالمية، فينبغي على شعوب كل البلدان أن تفهم وتحترم حضاراتها وقيمها بشكل كامل، وأن تدعو إلى عدم المواجهة والإغلاق وعدم القيام بلعبة محصلتها صفر، لتشكيل القاسم المشترك الأكبر لبناء عالم أفضل.
يتطلب التبادل والتعلم المتبادل بين الحضارات الدعوة إلى الاهتمام بتوارث الحضارات وإبداعها. كما يقول الصينيون «تتيح لنا مراجعة الماضي التعرف على القانون الذي يحكم تطور التاريخ». كلّ حضارة هي استمرار روح البلد والأمّة ودمها، وغالبًا ما يكون تاريخ تطور كلّ بلد هو كذلك تاريخ تقدّم الحضارة، فمن الضروري تمريرها كشعلة جيلا بعد جيل وحراستها، وتَبَنّيها لمواكبة العصر والشجاعة في الابتكار. توارث الحضارات وإبداعها يعزّزان الثقة بالنفس من الناحية الثقافية ويوفران موارد أيديولوجية وثقافية غنية لعملية التحديث.
تحرص الصين على الجمع بين المبادئ الأساسية للماركسية والواقع الصيني الملموس والثقافة الصينية التقليدية الممتازة لتعزيز التحول الإبداعي والتطور الابتكاري للثقافة الصينية التقليدية، واستخدام روح العصر في تنشيط حيوية هذه الثقافة، وتحقيق التعلم المتبادل مع الحضارات الأخرى في العالم، وإثراء حديقة الحضارات العالمية.
يتطلب التبادل والتعلم المتبادل بين الحضارات الدعوة إلى تعزيز التواصل والتعاون الدوليين في المجالين الإنساني والثقافي. يدعو الجانب الصيني إلى البحث في بناء شبكة التعاون للحوار بين حضارات العالم، وإثراء مقومات التواصل وتوسيع قنوات التعاون، وتعزيز التعارف والتقارب بين شعوب العالم، بما يدفع الى تطور الحضارة البشرية وتقدمها.
في 6 حزيران الجاري، عقدت السفارة الصينية في لبنان «مؤتمر الحوار للتبادل والتعلم المتبادل بين الحضارتين الصينية واللبنانية»، حضره وفدٌ ترأّسه عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني رئيس معهد تاريخ وأدبيات الحزب تشيو تشينغ شان، وقدّم خلاله شرحًا معمقًا عن مضمون مبادرة الحضارة العالمية للأصدقاء اللبنانيين. يُعتبر هذا الحوار محاولة لإجراء تبادل ثقافي بين الصين ولبنان. وسنواصل في المستقبل تنفيذ مشروع المعهد الوطني اللبناني العالي للموسيقى (الكونسرفتوار)، وإنشاء المزيد من الجسور للتبادلات الثقافية بين البلدين، ومواصلة كتابة فصول جديدة في ملف الصداقة التقليدية بين الصين ولبنان عبر التعاون والتواصل.
الحضارة هي أعمق تراكم تاريخي وثقافي وروحي لكلّ أمة، وجذور تنمية أي دولة وأمنها راسخة في تراب حضارتها. فالحضارة هي الدعم الأساسي للأمن والتنمية. وتعزيز التبادل بين الحضارات يجعل التنمية والأمن العالميين أكثر صلابة واستدامة. اليوم، مع ترابط مستقبل ومصير جميع البلدان ترابطًا وثيقًا، تدعو الصين إلى احترام تنوع الحضارات وتعزيز التواصل والتعاون الدوليين في المجال الإنساني والثقافي، وهي مستعدة لتوفير مزيد من الفرص والمنصات لتعزيز التبادل والتعلم المتبادل.
الصين ولبنان حضارتان قديمتان ذاتا تاريخ عريق، وكلاهما قدمتا مساهمات مهمة للحضارات البشرية. يتمتع الجانبان الصيني واللبناني بتربة حضارية عميقة ونطاق تاريخي واسع في مجال تعزيز حوار التعلم المتبادل بين الحضارتين والتبادل المتعمق للخبرات في بناء التحديث. ونحن عازمون على تعزيز التبادل والتعلم المتبادل بين الحضارتين الصينية واللبنانية ومعارضة نظرية تفوق الحضارات ونظرية صراع الحضارات بجميع أشكالهما، واستيعاب حضارة الجانب الآخر انطلاقا من موقف الاحترام والتواضع كي يكون التعلم المتبادل بين الحضارتين جسرا يعزز صداقة شعبي البلدين ويوفر تغذية معنوية للتعاون بينهما.

* السفير الصيني لدى لبنان