لم يعد فقدان مقوّمات استمرار الجامعة اللبنانية هو القضية الأساسية اليوم، إنما بات السؤال مشروعاً عن حقيقة ما يجري تداوله في الكواليس عن هدف استراتيجي أبعد، يتمثل بمحاولات حثيثة لتقسيم الجامعة بفصل فروع الكليات عن الإدارة المركزية، وإنشاء إدارة مستقلّة لكل منها، وأن هذا التوجه الذي يحظى برعاية دينية وسياسية على مستوى عالٍ هو الذي يعطّل مسار تحقيق أيّ من المطالب الحيوية المرفوعة. وبينما كان منتظَراً أن تشهد الجامعة، مع اشتداد الأزمة الاقتصادية والمالية، موجة نزوح ملحوظة من الجامعات الخاصة التي دولرت أقساطها، دمّرت السلطة السياسية أي احتمال لاستقبال الجامعة للطلاب النازحين، بل إنها عزّزت عوامل «الهجرة المعاكسة» بالانقضاض على ما تبقّى من المؤسسة التربوية الوطنية. لم تتوانَ السلطة عن مسخ موازنة الجامعة فعطّلت قدرتها على «تشغيل» مبانيها ومجمّعاتها، وبات التعليم الحضوري ضرباً من ضروب الخيال، فلا الطلاب قادرون على الوصول إلى كلياتهم، ولا الموظفون والمدرّبون أيضاً، ولا حتى الأساتذة الذين فقدت رواتبهم 90% من قدرتها الشرائية وباتوا مكشوفين صحياً، وقد جرى الاكتفاء برشوتهم بمساعدة اجتماعية لا تُغني ولا تُسمن. قبل ذلك «قوّضت» أحزاب السلطة الهيئة النقابية، فباتت عاجزة عن تمثيل مصالح الأساتذة، ما ولّد جمراً تحت الرماد وانتفاضة في صفوفهم بلا أفق.