لم تنتهِ تداعيات انتخابات نقابة محامي طرابلس بعد، بعدما أسفرت نتائجها عن خللٍ في التمثيل الطّائفي بين المسلمين والمسيحيين، وفق عُرفٍ جرى التوافق عليه منذ تأسيس النّقابة عام 1921، وينصّ على توزيع مقاعد أعضاء مجلس النّقابة مناصفةً بين الطائفتين، وعلى مداورة منصب النّقيب بينهما.
فالانتخابات، التي جرت الأحد لاختيار 4 أعضاء في مجلس النّقابة، مسلمان ومسيحيان، بينهم منصب النقيب الذي فازت به المحامية ماري تيريز القوّال المحسوبة على تيّار المردة لتكون خلفاً للنّقيب السّابق محمد المراد المحسوب على تيّار المستقبل، أسفرت عن فوز 4 أعضاء في الدورة الأولى، هم: القوّال (مسيحية) ومنافسها بطرس فضّول (مسيحي) المدعوم من التيّار الوطني الحرّ، مروان ضاهر (مسيحي) محسوب على تيّار المستقبل ومحمود هرموش (مسلم) محسوب أيضاً على تيّار المستقبل.

وبحسب العرف، كان يُفترض أن يعلن فضّول انسحابه، كونه آخر النّاجحين، من أجل الحفاظ على التوازن الطّائفي المعمول به داخل النقابة، لمصلحة أول الخاسرين، وهو المحامي منير الحسيني، المحسوب كذلك على تيّار المستقبل، بعد أنْ تبيّن أنّ الفارق بينهما هو 17 صوتاً لمصلحة فضّول.

غير أنّ فضّول رفض الانسحاب والاستجابة للدّعوات التي حثّته على ذلك، وزاد الأمر إرباكاً أنّ الدّعوات التي وجّهتها النّقابة معلنة فيها استقبال المهنئين بانتخاب مجلس جديد للنقابة، أوردت اسم فضّول عضواً أصيلاً في مجلس النقابة، بعدما كان المراد قد أعلن اسم الحسيني عضواً رديفاً إثر إعلان النتائج، بانتظار انسحاب فضّول.

لكنّ هذا الانسحاب لم يحصل، وردّ مقربون من فضّول الأمر إلى أنّه «تمّ انتخابه من قبل محامين أغلبهم مسيحيون، بينما العضو المسيحي الفائز مروان ضاهر والمحسوب على تيّار المستقبل، انتُخِب بأصوات محامين أغلبهم مسلمون، فضلاً عن أنّ الأعضاء الثلاثة الذين انتُخِبوا في صندوق التعاضد جميعهم مسلمون، ولم يتحدّث أحد عن خلل حصل في العرف والتوازن الطائفي».
واعتبر المقرّبون من فضّول أنّ «حملة التهييج عليه سياسية جرى تغليفها طائفياً، لأنّ التحالف الفائز في انتخابات النّقابة لا يريد أن يكون هناك صوت معارض له داخل مجلس النّقابة، والتغطية على التجاوزات القانونية والمالية التي حصلت فيها».

لكنّ كسر العرف على هذا النّحو دفع كثيرين إلى التحذير من أنّه إذا رفض فضّول الانسحاب، بعد إصراره على حضور حفل التهنئة اليوم، فإنّ المسلمين لن يتمسكوا به لاحقاً، وهو أمر سيهدّد، في حال حصوله، مبدأ المناصفة والمداورة بين المسلمين والمسيحيين في أيّ استحقاق نقابي مقبل، وسيكون ذلك على حساب المسيحيين تحديداً.

أبرز ردود الفعل على ذلك جاءت من النّائب فيصل كرامي، الذي دعا إلى «الالتزام بالأعراف التي توافقنا عليها جميعا واعتبرناها ميثاقاً للعيش المشترك، وحرصنا على عدم خرقها مهما كانت الخلافات السياسيّة التي يتوجب علينا من منطلق وطني أن لا نحوّلها إلى خلافات طائفيّة»، مشيراً إلى أنّ «هناك أمثلة كثيرة على حرص المسلمين والمسيحيين على صون هذه الأعراف في أحلك الظروف التي شهدها لبنان، من ذلك، على سبيل المثال، انتخاب نقيب مسيحي في زمن الحرب الأهلية، بالرغم من عدم تمكّنه من الحضور إلى دار النقابة بسبب ظروف الحرب، ومن ذلك أيضاً استقالة المرحوم فاروق مسّيكة صوناً للعُرف وحفاظاً على مبدأ العيش المشترك».

بدوره، اعتذر اتّحاد الحقوقيّين المسلمين في لبنان عن عدم المشاركة في تهنئة الفائزين بنقابة المحامين في طرابلس، بعد رفض فضّول «تطبيق الأعراف، ما يشكّل خرقاً فاضحاً لها، وهذا ما يرفضه كلّ محامٍ عاقل مهمّا كان انتماؤه الطّائفي»، معلناً امتناع أعضائه عن زيارة التّهنئة «للنّقيبة والزّملاء الفائزين حتّى تصحيح الخلل»، ومبدياً استغرابه من «تنظيم يوم للتّهنئة مع وجود مثل هذا الخرق لعرف عمره سنوات يجسّد العيش المشترك، والذي يفتخر به أبناء النّقابة قبل غيرهم ويحرصون عليه».