كغيره من المعالم، لن يطول صمود «قصر عادل عسيران» في صيدا أمام الموجة التجارية التي تفرّخ «مولات» ومباني على أنقاض معالم لها مكانتها في الذاكرة الجمعية لأهالي المدينة. القصر المهمل الذي يغلّفه اليباس يبدو ذاهباً الى الهدم لا محالة، في غياب أي تحرك رسمي أو شعبي لإنقاذه.عام 1922، شيد الياس رزق الله منزلاً من طبقة واحدة في حي الست نفيسة، في صيدا، وسط بساتين الحمضيات وأشجار الإكي دنيا. بعد سنوات، اختار عادل بيك عسيران، أحد رجالات الاستقلال، منزل رزق الله للإقامة فيه. نزولاً عند طلب المستأجر، أضاف المالك طبقة ثانية أجّرها للزعيم الشاب. في وقت لاحق، أضاف رزق الله طبقة ثالثة على المنزل الذي أصبح قصراً على الطراز الشرقي تبلغ مساحة كل طبقة من طبقاته حوالي 400 متر.
ارتأت الرهبنة اللجوء الى أسرع الحلول: الهدم (علي حشيشو)

ورغم أن رزق الله بقي مقيماً في الطبقة الأولى، بات القصر، على نحو تدريجي، يُعرف بـ«قصر عسيران» الذي ترأس المجلس النيابي بين عامي 1953 و1959 وانتُخب نائباً لدورات عدة عن قضاء الزهراني. فتحولت الطبقتان الثانية والثالثة مقصداً للمناصرين وكبار الزوار.
بناء على وصية رزق الله، انتقلت ملكية المنزل إلى الرهبنة المارونية. وكان الرهبان يقيمون الصلوات على نيته في منزله في الطبقة الأولى. فيما بقي عسيران يشغل الطبقتين الثانية والثالثة حتى عام 1983، عندما دفعته أحداث الحرب الأهلية الى تركه والإنتقال الى منطقة الرميلة شمال صيدا. الأحداث نفسها، باعدت بين الرهبنة والمنزل، فتحوّل لفترة إلى مركز لـ«الجماعة الاسلامية»، قبل أن تغطي الأشجار اليابسة جدرانه الخارجية وتخفي معالمه، فيما «نبتت» مبان سكنية في البساتين والحقول المحيطة به.
الإهمال الذي غرق فيه القصر حوّله مقصداً لمتعاطي المخدرات ولممارسة الأعمال المنافية للحشمة، ما دفع البلدية ــــ بعد اعتراضات الجيران ـــ الى إحاطته بسور من الباطون فصل بينه وبين المباني السكنية ومدرستين تحيطان به. رغم ذلك، بقي مرتعاً للحيوانات الشاردة ومصدراً لروائح كريهة.
لا تبدو البلدية معنية كثيراً بالحفاظ على هذا المعلم الصيداوي


جرت محاولات لإنقاذ القصر، منها مبادرة تقدّم بها النائب علي عادل عسيران لإعادة استئجاره من الوقف الماروني وترميمه. لكن الرهبنة، بحسب مصادر مطلعة، طلبت بدلاً مرتفعاً.
أخيراً، قرّرت الرهبنة، ممثلة بمطرانية صيدا ودير القمر، «النزول» عند شكاوى الجيران. وبسبب ارتفاع كلفة ترميمه التي تزيد على مليون دولار، ارتأت اللجوء الى أسرع الحلول: الهدم، على أن يُحوّل العقار مرآباً للسيارات. وفي الغالب، يكون ذلك مقدمة لبناء مشروع سكني أو تجاري في وقت لاحق.
مصدر مسؤول في بلدية صيدا أكّد أن قرار الهدم لا يعود الى البلدية التي لا يبدو أنها معنية كثيراً بالحفاظ على هذا المعلم الصيداوي. إذ «لا حلول أخرى لوضعه الشاذ». فيما لم تقدم مديرية الآثار في وزارة الثقافة أي خطة لاستملاكه أو إصدار قرار بحمايته من الهدم وترميمه، بحجة أنه لا يندرج ضمن الأبنية التراثية لأن عمره لا يزيد على مئة عام!
قاطنو الشارع وجيران القصر لا يخفون استياءهم من الوضع المزعج الذي يسبّبه المنزل لمحيطه. رغم ذلك، يأسفون لمقترح إزالته. يفضّل هؤلاء حلولاً أخرى يمكن أن تتبنّاها البلدية، كترميمه وتحويله إلى مركز ثقافي، مثلاً، بما يحول دون القضاء على واحد من المعالم التي لعبت دوراً في التاريخ السياسي لعاصمة الجنوب.