تقول القصة إن خطأً في الأرشفة أدى إلى تأخر العالم في اكتشاف البنسلين خمسين عاماً، بكل ما يعنيه ذلك من ضياع فرصة إنقاذ ملايين الضحايا الذين كانوا يموتون بأمراض كالالتهاب الرئوي، أو الغرغرينا (في الحروب) أو الأمراض التناسلية كالزهري. خطأ في الأرشفة، كان يمكن ــ لو لم يحصل ــ إنقاذ ملايين الأرواح البشرية. أما تزييف التاريخ عبر إخفاء الوثائق وإقفال الأرشيف أمام الباحثين أو حتى أمام العامة، فهو سلاح سياسي بالغ الأهمية. يكفي أن تعلم أن الأرشيف الفلسطيني في الكيان المحتل إسرائيل، مقفل أمام الباحثين العرب والفلسطينيين ومفتوح أمام الباحثين الإسرائيليين، لتفهم. فالأرشيف في حالٍ كهذه هو الماضي الذي يحاول الإسرائيليون تزويره عبر التلاعب بالوثائق المتداولة، وتطويعه لما يلائم الرواية الإسرائيلية عن فلسطين.
أما عصر الديجيتال، فقد فتح أبواباً جديدة في هذه المهنة، وطورها لتتمكن من مجاراة العصر الرقمي وأدواته ووسائطه.
تتبارى الدول اليوم في الحصول على الداتا، حتى أنه أصبح هناك «مزارع» لتخزين الداتا كما في الولايات المتحدة الأميركية. لكن الأهم من الحصول على هذه الأخيرة هو أرشفتها بنحو يسهل الوصول إلى أي معلومة أو صورة أو رابط أو فيديو بشكل سريع يلبي إيقاع العالم اليوم. واختصاص الأرشفة والتوثيق بحاجة إلى طلاب من نوع آخر. النوع النهم والفضولي الذي يفهم أهمية التنظيم في هذا المجال.
لم تعد المكتبات وحدها والمتاحف ميدان المؤرشف اليوم، وهو ميدان يتكئ المؤرخون عليه وواضعو سياسات الدول بكل فروعها، أصبح الميدان مفتوحاً في الشركات والبنوك والجامعات ومراكز الأبحاث والمراكز الصناعية، إلى آخر ما هناك من مراكز تحتاج المعلومة وتنتجها.
الخبر السارّ أن هذا الاختصاص متوافر في لبنان في كلية الإعلام والتوثيق، حيث يشير اسم الكلية إلى أهمية هذا المضمار. الاختصاص غير مكلف، والسوق بحاجة إلى اختصاصيين لديهم مخيلة ورؤية وليسوا «مسنين صغاراً» كما تصورهم كليشيهات متراكمة في رؤوسنا.