أشعلت تينا ترنر بصوتها القوي وحضورها الزاخر حيوية المسارح، وتركت بصمة كبيرة في موسيقى الروك في القرن العشرين، وأصدرت على مدى خمسة عقود أغاني ضاربة، أولاً مع زوجها آيك ترنر ومن ثم خلال مسيرة منفردة حققت خلالها نجاحاً باهراً. واحتلت المغنية السوداء الفائزة بثماني جوائز غرامي التي توفيت عن 83 عاماً، المسارح اعتباراً من ستينات القرن الماضي، واستقطبت جيلاً جديداً من المعجبين في عودة مظفرة بعدما أفلتت من زواج تعرضت فيه للتعنيف.هجرها أهلها فخرجت من حقول القطن في ولاية تينيسي الأميركية لتصبح «ملكة الروك أند رول» المليئة شغفاً، والتي تفيد رواية في أوساط الموسيقى أنها علّمت مغني فرقة «رولينغ ستونز» ميك جاغر كيفية الرقص.
بعدما استحالت ظاهرة عالمية، عاشت المغنية صاحبة أغان مثل «ذي بيست» و«ناتبوش سيتي ليميتس»، سنوات حياتها الأخيرة في سويسرا مع زوجها الثاني إيروين باخ، وهو مسؤول كبير سابق في شركة انتاج موسيقي تزوجته العام 2013 بعد علاقة استمرت ثلاثة عقود.
وروت في مذكراتها «ماي لاف ستوري» في 2018 «كان يلكمني على أنفي مراراً وتكراراً إلى حد كنت اشعر بطعم الدم ينزل في حلقي عندما أغني» وفق ما نقلت وكالة «فرانس برس».
هربت تينا من زوجها العام 1976، واجتازت راكضة طريقاً سريعاً للفرار خلال جولة موسيقية. وأنجزت معاملات طلاقها في العام 1978 ولم تحمل معها سوى اسمها الفني.
إلا ان الحلم بالتحول إلى نجمة روك لازمها. وتساءلت ترنر في تعليقات عرضت خلال مراسم دخولها متحف مشاهير الروك العام 2021 «كيف لي أن أملأ ملاعب رياضية؟ كنت أطمح لذلك، كنت أريد أن أفعل ما كان يفعله جاغر وآخرون في ذلك الوقت».
وقد حققت هذه الأحلام بل أكثر عندما سجلت نجاحاً هائلاً العام 1984 مع ألبومها «برايفت دانسر». ونالت أغنيتها «واتس لاف غوت تو دو ويذ إيت» الواردة في هذا العمل جائزتي غرامي، وأطلقت نجوميتها العالمية في سن الرابعة والأربعين. بعد أربع سنوات على ذلك، سجلت رقماً قياسياً مع أكبر عدد حضور دفع ثمن بطاقة لحفلة يقيمها فنان منفرد، خلال عرض لها في ريو دي جانيرو، مع مشاركة 180 ألف شخص.
بصفتها امرأة سوداء اختارت الروك على موسيقى دو-ووب الخمسينات وموتاون الستينات، أعادت ترنر كتابة قواعد هذا النوع الموسيقي للنساء.
وقالت مغنية الراب ليزو إن ترنر «جسّدت الحلم لكونها امرأة سوداء احتلت خشبة المسرح بمفردها».
باعت ترنر أكثر من مئة مليون نسخة من ألبوماتها حول العالم بحسب مجلة «بيلبورد»، ومهدت الطريق أمام مغنيات جريئات من أمثال جانيت جاكسون ومادونا وبيونسيه.
وقالت بيونسيه خلال مراسم تكريم لتينا ترنر العام 2005 في مركز كينيدي: «لم يسبق لي أن رأيت في حياتي امرأة بهذه القوة وبهذه الروعة ومن دون خوف».
ولدت آنا ماي بولوك، وهذا اسمها الأصلي، في 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 1939 في بروانزفيل في ولاية تينيسي.
وترعرعت مع شقيقتها في عائلة متواضعة الحال، إلا أن وضعهما ساء عندما تخلى والدهما عنهما أولاً ومن ثم والدتهما.
عند وفاة جدتهما التي ساعدت في تربيتهما، انتقلت آنا ماي إلى منزل أقارب في سانت لويس في ولاية ميسوري في سن السادسة عشرة.
التقت هناك آيك ترنر، وهو عازف غيتار وقائد فرقة موسيقية يكبرها بثماني سنوات كان قد حقق بعض الشهرة بعدما ألّف وسجّل أول أغنية روك أند رول بعنوان «روكت 88» في 1951.
وأقنعت آيك بالسماح لها بالغناء إلى جانبه. عندما حققت أغنية «إيه فول إن لاف» نجاحاً كبيراً في العام 1960، أطلق عليها اسم تينا ترنر، وقد شكل الثنائي «آيك أند تينا ترنر ريفيو». وتزوجا في العام 1962.
منذ البداية، كان حضور تينا ترنر الأقوى والطاغي، وسرقت الأضواء بفضل صوتها الهدار ورقصاتها الساحرة. وقد عكست أعمالها التوترات في حياتهما الشخصية، وكان أشهرها أغنية «براود ماري» في العام 1970. لكن لطالما امتزج غناؤها القوي والمثير بشيء من الهشاشة. وهي قالت في مقابلة مع مجلة «رولينغ ستون» العام 1986 «أغني بهذه العواطف لأنني اختبرت الألم في قلبي».
بعدما انفصلت عن آيك ترنر، خاضت غمار العروض في لاس فيغاس وأصدرت أغاني منفردة حققت مبيعات متواضعة، وبدأت جولات في اوروبا.
لكن مع نجاح البوم «برايفت دانسر» في العام 1984، اكتمل تحولها من نجمة رديفة إلى نجمة روك ساطعة.
في السنة التالية، قامت بوصلة لا تمحى من الذاكرة مع ميك جاغر في حفلة «لايف إيد» في فيلادلفيا. وقد مزق جاغر يومها تنورة ترنر الجلدية القصيرة في وسط الغناء.
وشاركت ميل غيبسون التمثيل في فيلم «ماد ماكس: بيوند ثاندردوم» وهو إنتاج ضخم، وقد ساهمت في كتابة مذكراتها بعنوان «آي تينا». وكانت محور فيلم بعنوان «واتس لاف غوت تو دو ويذيت» من بطولة أنجيلا باسيت.
وأكدت ترنر التي اعتقنت البوذية بعدما رأت فيها «مخرجاً» من زواجها الأول الخطير، مرات عدة أن الإيمان شكل حافزاً لشبابها المتجدد واستقرارها.
في العام 2008، قامت بجولة حققت خلالها عائدات قدرها 130 مليون دولار. في 2013، بعد ثلاثة أشهر على زواجها من باخ وحصولها على الجنسية السويسرية، تخلت ترنر عن جنسيتها الأميركية. وعاشت ترنر السنوات التالية مع باخ في منزلهما في زيوريخ ومنزل آخر في جنوب فرنسا. وقد عاشت مأساة مع انتحار كريغ (59 عاماً)، نجلها البكر من علاقة سابقة من عازف الساكسوفون رايمند هيل قبل زواجها من آيك ترنر. وقد أنجبت ترنر من آيك ترنر الذي توفي العام 2007، روني الذي توفي العام الماضي عن 62 عاما بسبب مضاعفات إصابته بسرطان القولون.