مساء أوّل من أمس السبت، اختُتمت الدورة الثالثة والثلاثين من مهرجان «أيام قرطاج السينمائية»، لكن الجدل الذي أثارته لم ينته. إذ أعلنت مديرتها العامة، سنية الشامخي، استقالتها بعد دورة واحدة قضتها في إدارة أعرق مهرجانات السينما العربية والأفريقية.استقالة الشامخي أرجعها البعض إلى سيل الاحتجاجات التي أثارها احتفالا الافتتاح والختام و«احتلال» الغرباء عن السينما للواجهة مقابل تغييب صنّاع السينما. لكن الشامخي، الكاتبة والمخرجة والأكاديمية، أكدت في حديث مباشر عبر أثير إذاعة «موزاييك» المحلية، بعد انتهاء الحدث، أنّها لن تبتعد عن المهرجان ولا عن السينما لكن الإدارة أرهقتها وتفضّل العودة إلى مشاريعها في الكتابة والإخراج والبحث. كما اعتبرت أنّ دورة 2022 لم تكن «فاشلة»، بل شكّلت «فرصة» لمحبّي الأفلام للتمتّع بسينما راقية واكتشاف تجارب جديدة مثل تجربة السينما النسوية في إسبانيا.
الجدل الذي لم يتوقف منذ افتتاح الدورة في 29 تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي هو في حقيقته حول هوية المهرجان، إذ أصبحت الهيئات منذ عشر سنوات تعتمد السجادة الحمراء في تقليد لمهرجانات أخرى مثل «كان» و«البندقية» و«برلين»، وحتى مهرجانات حديثة التأسيس مثل «مراكش». في حين أنّ طبيعة وروح «قرطاج» مختلفة تماماً، كونه مهرجاناً غير تجاري وملتزم بقضايا التحرّر ولا يمكن أن يتسحيل احتفالا افتتاحه وختامه مجرّد عرض للأزياء تستعرض فيه الجميلات، ومعظمهن لا علاقة لهن بالسينما، أحدث صيحات الموضة، فيما يتسلّل إليهما المتطفّلون الباحثون عن إثارة للاهتمام، من دون أن يكون لهم أي اهتمام بالفن السابع، في الوقت الذي يغيب فيه الممثلون والتقنيون.
عشرات التدوينات لمثقفين وإعلاميين تطالب منذ سنوات بالعودة إلى هوية المهرجان كمنصة لسينما «المقاومة» والدفاع عن قضايا العدالة الاجتماعية ومناهضة الاستعمار وسلب الحريات والتنكيل بالشعوب. ورغم أنّ هذا الخطاب يبدو غريباً بعد تصفية حركات المقاومة في العالم وسقوط جدار برلين وكلّ التحوّلات التي حدثت في بقاع الأرض المختلفة، إلا أنّ المتمسكين به يعتبرون أنّ مطالب الحرية وكرامة الإنسان لن تموت مهما اشتدت سطوة رأس المال.
فـ «مهرجان قرطاج» لم يكن يوماً حدثاً للنجوم، بل كان منذ بدايته مخصّصاً لسينما المؤلف والسينما التي تنتصر للإنسان، وليس الفساتين وتسريحات الشعر والسجاد الأحمر. وهو ما أسماه بعض المتابعين من قدماء حركة نوادي السينما والسينمائيين الهواة الذين كانوا فاعلين في «قرطاج» على مدى تاريخه بـ «لعنة السجاد الأحمر».
فهل تنجح هذه الاحتجاجات الافتراضية في إعادة المهرجان إلى هويته التي صنعت شهرته العالمية؟