كان من المفترض أن ينجز المخرج السوري محمد عبد العزيز خماسيات «ليالي دمشق» (كتابته وإخراجه) بالشراكة مع «أفاميا الدولية للإنتاج الفني» (فراس الجاجة)، لكن المشروع أرجئ إلى العام المقبل بصيغة ودية وبعد جلسة نقاش هادئة بسبب رغبة الشركة بترك الفرصة أمام صاحب فيلم «الرابعة بتوقيت الفردوس» كي يتمم ارتباطه مع شركة «صبّاح إخوان» لإخراج مسلسل «النار بالنار» (كتابة رامي كوسا وبطولة عابد فهد وكاريس بشّار وجورج خبّاز). العمل الذي أسند سابقاً لليث حجو ولم يستمر الاتفاق معه، يقدّم وفق حبكة اجتماعية معاصرة مجموعة من القصص الإنسانية المترفة بالمشاعر إلى جانب اقتحام لمطرح حسّاس جداً عن شكل العلاقة السورية اللبنانية على مستوى العامة.في حديثه مع «الأخبار»، يقول عبد العزيز إنّ مسلسله هو «الأكثر قدرة على التبرير في جوهره ليكون مشتركاً، باعتباره يتعلّق بإشكالية العلاقة التاريخية بين البلدين الجارين، في قصة تجري في أحد الأحياء اللبنانية. لدينا إرث كامل بين البلدين، جزء منه نابع من الكراهية، وآخر من العنصرية والحرب الأهلية. العمل معاصر تجري أحداثه في عام 2022، إضافة إلى منطق التصعيد الحكائي الاجتماعي». ويضيف: «تتمحور بنية العمل حول الخلاف بين السوريين واللبنانيين، سنحاول التعمق فيها بشكل فني وتحليل منطقي وحيادي، انطلاقاً من مخلّفات الحرب الأهلية اللبنانية، وما أعيد تدويره أثناء الحرب في سوريا والنزوح الذي حدث نحو لبنان. أحداثنا تندلع ضمن حي شعبي لبناني، يسكنه الطرفان ليعقب تواتر اليوميات شيء من الحساسية في مراحل محددة وصيغة من التقارب في مطارح ثانية».
وفي إطار تبرير الدراما المشتركة، يذهب عبد العزيز نحو مكان لم ينتبه أو يركز عليه غالبية من اشتغلوا فيها، فيقول: «الدراما في سوريا بداياتها كانت مشتركة، فأعمال دريد لحام مثلاً كانت تصوّر في بيروت أو تموّل من قبل شركات لبنانية أو يشتغل فيها ممثلين لبنانيين. وفي الستينيات، تعزّزت أكثر في السينما والتلفزيون، إذ توجد علاقة تاريخية في الدراما المشتركة، كان قطبها دريد لحام ومعه مجموعة الفنانين الذين شاركوه أغلب أعماله منهم: نهاد قلعي، ياسين بقوش، ناجي جبر، عبد اللطيف فتحي، وغيرهم».
ويتابع: «شخصياً، لا توجد لديّ أي حساسية تجاه الدراما المشتركة، لكن تهمني المعالجة. مثلاً، في أوروبا ترى أن المخرج أسترالي والممثلين من إيرلندا والبعض أميركيين. هكذا، يمكن التنويه بأنّ الفضاءين الثقافي والإنساني يتماهيان مع بعضهما البعض، ودائماً من المبرر أن يكون السوري موجوداً في أي مادة فنية كونه انتشر على سطح الكوكب، لذا أظن أنه من الجيد الذهاب في العمل الفني إلى هذا النوع لأنّه عبارة عن حقل ألغام ومحاولة النبش في العمق ونقاش هذه العلاقة بشكل جدي، على ألا تحمل الحالة الدرامية أي نوع من رسائل الكراهية أو العنصرية أو عدم الاعتراف بالآخر».
من ناحية ثانية، يرى مخرج «شارع شيكاغو» أنّ هذا المشروع يصب في خانة اهتمامه ويتقاطع مع المشروع الذي اشتغل عليه في السينما والتلفزيون: «دائماً كنت أتحرّك ضمن حيّز وفضاء فكري معرفي يمثّلني، وأحاول دائماً المساس بهذه القضايا الإشكالية المسكوت عنها ومناقشتها».
ويعتقد عبد العزيز أنّ شراكته مع «صبّاح إخوان» إيجابيّة وستعود بالنفع على الجميع: «حين تكون مظلّة هذا المشروع شركة مهمة، لها تاريخ فني، فهذا يخلق شرطاً جيداً لتحقيق أمور في العمل مرتبطة بسويّة الإنتاج والتوزيع، والمتطلبات الجديدة للدراما الحديثة. وهي شركة كبيرة وتعمل وفق معايير عالية... هذه بيئة تشجّعنا على الذهاب في هذا الاتجاه».
لكن ألم تختر هذه الشركة الممثلين قبل أن تتفق مع مخرج، ما يشكّل تعدياً صريحاً على صلاحياته ومهامه؟ يجيب عبد العزيز: «بالنسبة إلى اختيار الممثلين وحساسية هذا الموضوع، أنا قادم من خلفية سينمائية وغالباً ما يكون الكاستينغ لدي صحيح لأنّه يكون دائماً للمخرج وحده. لكن ما حدث كان لسببين: الأوّل أنّ العمل بدأ مع مخرج آخر لكن لظرف ما انسحب. أما السبب الثاني، ومن دون أي مجاملة، اختيار عابد فهد وجورج خباز وكاريس بشار لتقديم هذه الأدوار صحيح بالمطلق. بالنسبة إليّ كنت سأضعهم في قائمتي حتماً، وفي حال ذهبت نحو غيرهم سأبقى في الصف نفسه... لذا لم أشعر بالحرج حين وافقت على المشروع ومن ضمته هذه التعاقدات، لأنني أمام ممثلين موهوبين لديهم رغبة بأن أكون شريكهم في هذا المسلسل».