كلّ شيء في طفولة النّجم جورج وسّوف كان يُشير إلى أنّه يتّجه صوب الشّهرة بخطوات واثقة. لكن لم يكن أحد يعرف أنّه سيتحوّل إلى أيقونة! ظاهرة مكتملة الأوصاف، لم يبقَ أحد لم يقلّدها، لكنّها لا تُشبه سوى نفسها!بدأ جورج وسّوف مشواره الفنّي مذ كان طفلاً، ليحتلّ خلال مدّة قصيرة مكانة مرموقة. قصّة فنّية مثيرة حاك خيوطها «سلطان الطرب» منذ خطواته الأولى، تنبّهت عائلته أنّها رُزقت بموهبة فنّية رفيعة، وهي التي «دوزنت» لياليها على مزاج الفنّ الرّصين. لكنّ الطريق كانت وعرة لدرجة غير متوقّعة! فكما كان الوسّوف إشكاليّاً وخاصّاً بفنّه، أيضاً رسمت حياته خطواتها بالدّهشة ذاتها. تلك المعطيات كفيلة بأن تُثير شغف أي صانع للدراما، كي يُنجز عنها مسلسلاً. لكنّ «أبو وديع» أراد أن يروي سيرته بنفسه كي لا تزوّر فيما لو ابتغى أحد تناولها بعد رحيله. وبالفعل، أنتج مسلسل دوكودراما من ثمان حلقات بعنوان «مسيرتي ــ جورج وسّوف» عرضته منصّة «شاهد VIP» أخيراً، وهو من إنتاج شركة 2PURE Studios للمنتج رودولف جبر، وإخراج دافيد أوريان، نص وحوار جورج عبود، ومدير تصوير جورج ريفي. وأدّى أدوار جورج وسوف، من الطفولة والشباب وحتى المرحلة الحاليّة التي يعيشها، كلّ من: الطفل سليم حايك، الممثّل عامر فيّاض وفريد توفيق. كما شارك في العمل الدرامي الممثلون: أسعد رشدان، مجدي مشموشي، كارول عبود، إلسا زغيب، جينا أبو زيد، ريموند عازار، فادي أبي سمرا، خالد السيد، جوزيف ساسين، شربل زيادة، جوزيف أصاف، حسن حمدان، علي الزين، مصطفى السّقا، جوزيف سلامة ونيكولا مزهر.
يشعل المسلسل الحنين ويمهّد بطريقة لا بأس بها لمرحلة ذهبيّة وغائبة تماماً عن الإعلام في حياة الوسّوف: الطفولة. ليزيد جرعات التشويق وجود «أبو وديع» ذاته وراء مكتب، يروي تفاصيل ما كان يجري معه في طفولته وبقيّة مسيرة حياته. يُجيد الطّفل سليم حايك الدّور بتلقائيّة واضحة، وعفويّة لا يشوبها أي تصنّع أو افتعال، أو محاولة تقليد بائسة. لكن سرعان ما نهوي إلى مطارح استسهال، تبدو سمة المشروع الفقير. لا الجغرافيا تشبه حقيقة الأماكن التي يتناولها العمل، ولا الرّوح حاضرة كما ينبغي، مع غياب واضح للمحاكاة الحقيقيّة للبيئة وتفاصيلها في كفرون. زاد على هذا الخرق أداء مدرسي متواضع للحدود القصوى عند عائلة الوسوف. تحديداً والده مجدي مشموشي الذي أعطانا إيحاء بأنّه يجسّد دوراً رديئاً في إحدى لوحات «مرايا» لياسر العظمة. كان يُمكن أن ننتظر ظهور نجمي «مرايا» سليم كلّاس أو حسن دكّاك معه بعد قليل! وكأنّ الرجل لم يسمع عن اللّهجات السورية، إلّا ما وصله من «باب الحارة» أو قبلها في «صح النوم»، الأمر ينسحب عند غالبيّة الممثّلين المتواضعين الذين شوّهوا اللّهجة وأظهروها هجينة تتخلّلها مفردات لبنانية، فتبدو بأسوأ حالتها تُشبه البرامج الساخرة المبتذلة. عدا عن الأداء البرّاني من دون تبنٍّ حقيقيّ أو سبر لأغوار الشّخصية، وتركيبتها بالصّيغة الأدائيّة المُحكمة،التي تفرض على الممثّل بناءها من الدّاخل وتخيّل تاريخ لها، ومن ثمّ الخروج نحو المظهر واللّكنة والشكل الخارجي. كلّ ما نراه في الأداء هو ترديد عبارات سطحيّة وبسيطة، مكتوبة من دون رغبة في أن تترك إحداها أيّ أثر عند المتلقّي!
ترى ما الذي منع مخرج العمل من ترشيح ممثّلين سوريّين، والتّصوير في المواقع الحقيقيّة التي تُعطي للعمل نكهة واقعية وصدقية، خاصة أنه ينتمي للنّوع الوثائقي؟ الغريب أن صنّاع المسلسل يتّسمون بالجهل المطلق وحتى القصور الواضح عن البحث، حتى عن طريق شهير مثل طريق دمشق حمص لم يعرفوا تقليده! وهذا ليس غريباً عن طريقة تفكير ربّما تكون مهووسة بالغرب، من دون معرفة بالبيئة المحلّية والبلاد التي تعيش فيها.
على كلّ حال، يروي الوثائقي بعجلة مفاصل في حياة الوسّوف. طفولته وكيف عاش، ثم الخطوات الأولى مع التركيز على غرابة شخصيّته وبراعتها. الشهرة التي لحقته منذ الموّال الأوّل، ورحلته من حمص إلى دمشق وبداية المشوار الفني. يليها سفره إلى أوروبا وحصاده الوافر هناك. ابتلاؤه بالمقامرة وتبديد كلّ ما جمعه بضربة واحدة. تلميح بسيط جداً على غرقه في تعاطي المخدّرات. قصّة حبّه لشاليمار زوجته وتحدّيه لأهلها. حضوره الوازن في لبنان أثناء الحرب الأهليّة. نجاحاته وقصص أجمل أغانيه. مرضه المتكرّر وغرابة تعافيه. وأخيراً ما وصل إليه، من دون إغفال جوانب الطرافة والجنون في شخصيّته والكرم الوافر والعناية المفرطة بمن حوله.
أما عن المحور في الموضوع، ومدى نجاح من أدّى شخصيّته بعد الطفل، ورغم البحث الواضح عند عامر فيّاض عن جوهر الشخصيّة، لكن الشاب ينقصه الخبرة الكافية للعب مثل هذا الدّور. الوسّوف كاركتر يبدو أنّ تقليده سهل، وهو ما يبرر أنّ العشرات قلّدوه. لكن الموضوع هنا مختلف كونه أبعد وأعقد من التقليد، فالمطلوب في هذه الحالة بناء الشخصيّة بروحها من مطارح جوّانية، والقبض على شيفراتها الداخلية، والغوص في عمقها النفسي ومحاكاة تاريخها، ودراسة ردود أفعالها، ثم إكسائها بهيئة برّانية لتصبح من لحم ودم. وهو ما عجز عنه الشاب نسبيّاً، فظلّ أداؤه مجرّد تقليد باهت، بخامة الصوت وحركة اليدين والمشية. لم يرق الشغل للتجسيد الحقيقي، بل ظلّ مجرّد تقليد خفيف. مع ذلك، كان أفضل حالاً من فريد توفيق الذي لعب دور الوسّوف في مراحل عمريّة متقدّمة، كونه اعتمد فقط على الشّكل. فيما اعتراه جمود حركي واضح، كانت تنقصه المرونة الوافية والتكنيك المطلوب. الكارثة الكبرى كانت عند الممثّلين الذين لعبوا أدوار أولاد الوسوّف، فهم مجرّد كومبارسات ناطقة. وجوم على الإطلالة. برود قاتل. تفاعل بائس وسلبي لأقصى الحدود مع الكاميرا. وكأنّهم يقفون أمامها للمرّة الأولى. كلّ ذلك سيزيد من تهاوي الفقر الإنتاجي المدقع. فأوروبا كلّها صورت ضمن غرف فنادق باردة، لا تقول شيئاً، سوى أنّ المنتج سحب قرضاً ربّما حتى أكمل التصوير. إذا صوّر سوريا في لبنان، مع بلاهة واضحة في مقاربة المواقع الجغرافية، فكيف سيصوّر البلدان الأجنبية؟ الموسيقى لن تكون أفضل حالاً. الاستسهال نفسه. لا نعرف لماذا علينا أن نسمع الناي الحزين ونحن نشاهد قصة مغنٍّ مسيّجة بالمغامرات والحماس والنجاح. فماذا يفعل الناي هنا، سوى أنّه هارب من الأفلام المصرية القديمة؟
يحقّ لمنصة «شاهد VIP» أن تُتاجر بما تشاء، وتستحقّ mbc أن تكون سبّاقة نحو المشاريع الكبرى. لكن الإرث الفني والشخصيات المؤثّرة تحتاج حماية، ويستحقّ العقاب من ورّط الوسّوف بهذا المكان، لأنّه شخصية فنيّة تاريخية وظاهرة متفرّدة تحتاج حسبة مختلفة كلياً عن حسبة التاجر الذي لا يفكر سوى بالمال. فعلاً جورج وسوف كان يستحق أكثر من ذلك بكثير!